أو عدل ذلك صيام ،
الأية تتكلم عن من يصيد فى الأشهر الحرم أو البيت الحرام،
كيف نحدد أيام الصيام فى الأية؟
هنا نتكلم عن كفارات لذنوب ولا نتحدث عن " فدية" ،
الفدية ليست كفارة لذنب ، فداء الغلام الحليم بذبحٍ عظيم لم يكن لإرتكابه جرم. وكذلك فداء الأسير ليس كفارة له ،
فداء أو فدو: هو فتح بالفاء لتندفع الدال إلى مكان أخر ( الواو) أو تظهر فى مكان أخر ( الهمزة) وهذا عندما يفدى الأسير فيغادر مكان الأسر ليظهر بين أهله وعشيرته.
بينما الكفارة هى مانع لحدوث عقوبة على الإنسان،
نقرأ أية المائدة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) } (سورة المائدة 95)
الأية أعطت الحكم لذى عدل من الناس ، فالحكم هنا لهم وقد حددت الأية لهم ثلاث خيارات ،
مثل ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة : لنقل هنا أنه قتل من النعم ما قيمته ألف دولار فيكون الجزاء ما قيمته ألف دولار وطريقة الدفع يحددها من يحكم
أو إطعام مساكين: هل هنا عدد المساكين يتساوى مع الألف دولار؟ بالطبع " لا يعادله" وإلا لا معنى للحكم ، الحكم هنا هو حكم مخفف عن الأول ، فقد نحكم عليه بإطعام ثلاثين مسكيناً.
أو عدل ذلك صياماً: هل هو عدل الجزاء الأول أم الجزاء الثانى؟
قبل أن نجيب ننظر فى حكم أخر،
حكم كفارة اليمين المنعقدة:
{ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) } (سورة المائدة 89)
الأية هنا أعطتتنا عقوبات لها تبعات مالية على المحكوم عليه ولكنها لم تخيره بينها وبين الصيام ،
هى قالت : فمن لم يجد : وهذا ليس تخيير ، هو بديل مشروط بأنه لا يجد ما يطعم به المساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة.
وهذه الأحكام الثلاث لا تتساوى فى قيمتها المالية ، لأن إطعام مسكين واحد لا يعادل كسوته ، كما أن تحرير رقبة لا يعادل قيمة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
كسوة مسكين: هى قميص وبنطلون ، هذا إن تغاضينا عما تحتهما. وقد تصل القيمة إلى عشرين دولار
وهذه القيمة لا تعادل إطعام مسكين التى قد لا تتجاوز خمسة دولارات.
تحرير رقبة: إن أخذنا فهمهم للرقبة أنها العبد المملوك ، فأين هذا العبد المملوك الذى تساوى قيمته خمسين دولاراً ( قيمة إطعام عشرة مساكين)؟ وإن أخذنا ما نفهمه نحن اليوم أنه من عليه دين ولا يستطيع سداده فتكون قيمته أكثر بكثير من خمسين دولار أو أقل بكثير لإختلاف الديون.
فمن لم يجد: لا تعنى أنه لا يجد مسكين أو رقبة ليحررها ، هو لا يجد ما يدفعه نقداً لأجل ذلك.
كما ترى هى خيارات ثلاث تتفاوت فى القيمة ولا عدل بينها فى القيمة المادية. وحكم صيام ثلاث أيام هو حكم مخفف جداً إن كان حاله عسراً ولا يعادل أى منها.
نرجع إلى أية الصيد ،
نكرر أن إطعام عشرة مساكين لا تعدل صيام ثلاث أيام لأن الأية وضعت شرط " فمن لم يجد" وأعطت حكماً مخففاً بصيام الأيام الثلاث.
كذلك الحال فى حكم من يظاهرون من نساءهم ،
{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) } (سورة المجادلة 3 - 4)
هنا تجد حكماً واحد بتحرير رقبة ، وهذا يرجعنا إلى أية كفارة اليمين التى تجد فيها أن من لم يجد ليحرر رقبة أو إطعام عشرة مساكين يصوم ثلاث أيام ، ولكن الأية هنا ذكرت " إطعام ستين مسكيناً" خلاف العشرة فى أية اليمين. وقد أتت بأحكام ثلاث:
تحرير رقبة : هذه تبعتها المالية قد تكون مرتفعة
ولم تخيره ليصوم ، هى إشترطت أنه لم يجد المال لذلك
ولأن الصيام قد يكون شاق عليه فلا يستطيعه أعطته الأية حكماً ثالث وهو إطعام ستين مسكيناً.
قد تتوهم أنه بعقد مقارنة بين صيام شهرين وإطعام ستين مسكينة من ناحية وبين صيام ثلاث أيام وإطعام عشرة مساكين من ناحية أخرى أن الستين مسكين تعادل صيام 18 يوم،
10 مساكين = 3 أيام
فيكون 60 مسكين = 6 وحدات 10 مساكين وكل وحدة تعادل 3 أيام فيكون الست وحدات تعادل 18 يوم.
وهذه الحسبة مغلوطة لأن 10 مساكين % 3 أيام = 33و3 مسكين
وهل يوجد " ثلث مسكين" أو بعض مسكين؟
لا يمكننا أن نعادل بين الحكمين ، فلكل حكم حالته الخاصة به وحده ،
الفرق بين الحكمين يكمن فى " فمن لم يجد" و " من لا يستطيع" ،
من لم يجد لإطعام عشرة مساكين هو غير قادر مالياً ولهذا له حكم مخفف فى صيام ثلاث أيام.
أما أية الظهار والذى هو منكر القول وزور وقد عفا الله عن المرة الأولى ، وإن عاد عليه حكم قاص حتى ينتهى عنه ، هذا أمر منكر وخلاف عقد اليمين والتراجع فيه، فحكمه تحرير رقبة ومن لم يجد قدرة مالية عليه جكم قاص كذلك وهو صيام شهرين متتابعين ( ستون يوما) ولكنه لا يستطيعه لضعف بنية جسمه أو لظروف عمله التى لا تؤهله للصيام فله حكم مخفف يتمثل فى إطعام ستين مسكيناً.
يدخل فى الإستطاعة كذلك إستطاعته البعد عن زوجه لأنه يحرم عليه الجماع نهارا وليلا لأن الأية قالت " لا يتماسا" إلا بعد أن ينتهى صيام الشهرين وهذا خلاف صيام رمضان الذى يحل فيه الجماع ليلاً.
نرجع إلى سؤالنا عن " عدل ذلك صيام" ،
هل هو عدل الجزاء مثل ما قتل من النعم أم عدل إطعام مساكين ولم تحدد الأية عدد المساكين وتركتها لمن يحكم. إن قلنا أن من يحكم هنا يستطيع أن يشرف بنفسه على أن المحكوم عليه قد دفع ما قيمته مثل ما قتل أو قيمة إطعام مساكين التى يحددها الحاكم ، فمن يراقب صيامه؟
نقرأ الحكم مرة أخرى،
نفترض أنه قتل من الصيد البرى خمسة غزلان ، فيكون مثلها وفقاً لحكم من يحكم خمسة من النعم المستأنسة ولتكن خمسة من الضأن أو المعز ،
ولكن الأية لم تحدد لنا مصير النعم المقتولة، هل تصادر منه أم يحتفظ بها؟
هذا متروك لمن يحكم ، وهذا الحكم قالت عن الأية بأنه " جزاء" ،
بينما إطعام المساكين أو الصيام فهو كفارة والكفارة تكون بينك وبين الله وهى فى حالة أنك قتلت الصيد ولم يراك أحد غير الله ليعلم الله من يخشاه بالغيب ، وهما هنا نوعان ، الأول يخشى الله من قبل فلا يقتل الصيد والأخر يعتدى ولكنه يريد أن يكفر عن جرمه، ولهذا فإطعام المساكين يمكن أن يكون من النعم التى قتلها والأية هنا خيرته بين هذا أو الصيام ولنقل أن هذه النعم تطعم 73 مسكيناً ، وقلنا أن صيام يوم يعادل إطعام ثلاثة مساكين وثلث المسكين ، بحسبة بسيطة يكون عدد الأيام التى تعادل 73 مسكين هى عدة أيام وبعض اليوم ( 21 يوم وكسور اليوم) وهذا عبث فى الحساب والتفكير لأنه لا يوجد صيام بعض يوم.
صيام ثلاثة أيام مقابل إطعام عشرة مساكين هو حكم مخفف ، ولأن الأية قالت " ليذوق وبال أمره" فسنأخذ بصيام شهرين مقابل ستين مسكيناً ليكون اليوم يعادل إطعام مسكين واحد ، وعليه تكون كفارة قتل الصيد فى المثال إما أن يطعم 73 مسكيناً أو يصوم 73 يوماً ولا يشترط فيها التتابع خلاف أية الظهار.
شهرين = ستين يوماً ولا تساوى 18 يوماً .