"الأعراف".. وخطأ ألف وأربعمائة عام!!.
"الأعراف".. أشرف المنازل يوم الحشر!!.
{وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم}..
ما هي "الأعراف, ومن هم هؤلاء "الرجال"؟.
للشيخ: صلاح الدين ابراهيم أبو عرفة
إنها من المسائل العظيمة المشكلة, وليس أدل على إشكالها ما دار حولها, وما كتب فيها,
وكم وقف عندها العلماء المؤولون!.
فما هي, وعلى ماذا نحن الآن منها, بعد الأخذ والرد, والبحث والجد, ولم استقر
"الجمهور" على ما استقروا عليه, وماذا عندهم من البينة والبرهان؟.
وأعزم ما أبدأ فيه, ما نقل في مصنف ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أن قال:
"أعزِم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه, فإنما هلك الناس حيث يتبعون
أحاديث علمائهم, ويتركون كتاب ربهم"!.
فأجعل قوله رضي الله عليه حجة في الفهم البالغ الأصيل, على كل من يحاججنا بكلام أحد
من الناس, فيجعل ما استقر عليه "الناس" حجة علينا, كما حجة الله والرسول سواء
بسواء, {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
إنها بحق من عظيم المشكل, وما في تفاسير "الناس" لا يطمئن إليه القلب!.
كيف نعقلها إذا, وما المشكل فيما عليه الجمهور؟.
قبل أن نجيب نقول: إن ما عليه الجمهور أن "الأعراف" هي السور المضروب بين الجنة
والنار, وأن "رجال الأعراف" هم الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم, فلم تبلغهم هذه الجنة,
ولم تبلغهم هذه النار. فيوقفون على "الأعراف" بعدما يقضى بأهل الجنة إلى الجنة, وأهل
النار إلى النار, حتى ينظر الله في أمرهم فيقضي فيهم!.
وترك العلماء "أقوالا" آخرى, منها أنهم الملائكة, ومنها أنهم "أبناء الزنى", ومنها أنهم
النبيون, فسبحان الله في التفاسير, أيختلط عليها الأمر بين النبيين, وأبناء الزنى؟!.
أما الذين قالوا: هم النبيون, أو هم الملائكة, فإنما كان قولا مجردا من البينة والدليل, ولم
يتعد الرجم بالظن والتخريص, ولا يدين المؤمنون لظن ولا لشك.
والحق أن ثمة مسأله يجب الوقوف عندها, وهي ما نتناقله من أن هذا "قول الجمهور",
فمتى يكون الرأي رأي الجمهور بحق؟!.
ذلك أن كثيرا مما في التفاسير, هو أخذ رجل عن رجل, ونقل الواحد عن الآخر, فتبدأ
بابن عباس رضي الله عنهما مثلا, فيحمل القول نفسه مائة مفسر, فيصلنا نحن على أنه
"قول الجمهور", وهذا ليس بعدل ولا بحق, فإنما هذا قول إمام واحد, وألف ناقل, فلن
يعدو أن يبقى قول إمام واحد!.
أما قول "الجمهور" بحق, فهو أن ندفع بالمسألة الواحدة لمائة إمام, فينظروا فيها كل على
حدة, ثم يقول كل بقوله, فإن قال أغلبهم برأي واحد متفق, دون أن يسمعه من الآخر, فذلك
المتفق الغالب, هو "قول الجمهور", فلننظر ولنتحسّب. {قل إنما أعظكم بواحدة, أن
تقوموا لله مثنى وفرادى, ثم تتفكروا}.
لم يصح في "الأعراف" حديث عن رسول الله
فما في التفاسير اجتهاد وحسب!.
من هنا نبدأ, ومن هنا نجتهد. وما روته التفاسير من أحاديث عن رسول الله في قصة
أصحاب الأعراف, لم تٌقبل عند أحد من المحققين الثقات في الحديث.
وأظهر دليل على هذا, أن الأئمة الأعلام اجتهدوا رأيهم منذ العهد الأول, فلو ورد في
الأعراف حديث, لما اجتهدوا, ولوقفوا عنده!.
«كفى بالمرء كَذِباً أن يحدّث بكلّ ما سمِع».
أين الخلل فيما في التفاسير, ولِمَ لا نطمئن إليه؟.
أولا: كل ما عليه المؤمنون جميعا, بسلفهم وخلفهم, مما تواتر عن ربنا ورسوله, أن
الآخرة منزلان وحسب, فإما إلى جنة وإما إلى نار {فريق في الجنة وفريق في السعير}.
وأن أهل الآخرة أزواج ثلاثة, لا رابع لهم, أصحاب الميمنة, وأصحاب المشأمة,
والسابقون المقربون, فمن أين أتى من أتى بالزوج الرابع فابتدع له منزلة وأوقفهم عليها؟.
ثانيا: تواتر عند المؤمنين جميعا, بنص الكتاب القاطع والحديث الصحيح, أن الموازين
يوم الحشر على اثنتين, إما أن تثقل وإما أن تخف, {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة
راضية, وأما من خفت موازينه فأمه هاوية}, ولم يرد من الصحيح القاطع منزلة ثالثة,
من مثل الذي يقول به أهل التأويل الأول, بأن ثَمّة منزلة وسط يوقف عليها من تساوت
حسناته وسيئاته, وتلك عندهم هي "الأعراف"!.
فمن أين بدأ اللبس والإشكال؟.
لعل ما يتلوه الناس من سورة الأعراف {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال}, وما
يتلونه من سورة الحديد {فضرب بينهم بسور له باب}, ذلك هو الذي لبس على من قال
بالقول الأول فهمه. بيد أن ظاهر النص ليس معهم, فالآية تتحدث عن حجاب وعن
أعراف, كل على حدة, وهذا شيء, وذلك شيء, فكيف جعلوه شيئا واحدا؟, وجعلوا
الأعراف هو الحجاب وهو السور؟, وإنما يصح ما قالوا لو كانت الآية هكذا "وبينهما
حجاب وعليه رجال", أما الآية الحق فتخالف مذهبهم.
السورة وسياقها, والآية وتعريفها, أعظم مما يقولون..
فما "الأعراف" إذا؟.
"الأعراف" بلسان العرب, هو المكان العالي المشرف المطل, ومنها عرف الديك, لعلوه وارتفاعه.
وكل مسميات الله في كتابه ذات حكمة وسداد, فإنما سميت "الجنة" لوظيفتها, في الستر
والنعيم, فنقول "عليين" لعلوها وشرفها, ونقول "الحطمة" لما تحطمه وتهدمه مما يجمع
الناس ويكنزون, وكذلك اللظى والسعير والجحيم, كل واحدة منها يتفق اسمها مع مسماها, وما خلقت له.
فلماذا سميت "الأعراف" بما سميت به؟.
ونحن سميناها أم الله؟.
وإن كانت الجنة لما نعلم عنها, والنار لما نعلم عنها, فكيف تكون "الأعراف" –على اعتبار وجوب اتفاق الاسم مع المسمى لأجله- كيف تكون الأعراف لما يقولون؟.
منزل عال مشرف مطل, ما له ولمن تساوت حسناته وسيئاته؟!.
رجل مقصّر في الدنيا, قليل عمل الخير والإحسان, لِمَ يُرفع يوم القيامة على "الأعراف"؟!.
أما الله فلم يقل بهذا, ولم يرفعه على "الأعراف", إنما الناس من قالوا, وإنما الناس من رفعوه.
أليس يُبعث كل عبد على ما مات عليه, كما صح عن رسول الله؟, {ومن كان في هذه
أعمى فهو في الآخرة أعمى}, {وآتيناه في الدنيا حسنة, وإنه في الآخرة من الصالحين}
. فكما كان هذا المقصر في الدنيا, غير آبه ولا منافس, فكذلك هو في الآخرة, لا يؤبه به ولا يكرم, فكيف يرفع مكانا عليا؟.
وهذا الحديث الصحيح للنبي عليه الصلاة والسلام, يوحي بالكثير من مثل هذا: "أهل
المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة".
فمن أولى بالمعروف في الدنيا من الرسل الكرام؟.
فلنقرأ آيات "الأعراف" ولنعقلها عن ربنا كما أنزلها!.
{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار, أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا, فهل وجدتم ما
وعد ربكم حقا, قالوا نعم, فأذن مؤذن بينهم, أن لعنة الله على الظالمين, الذين يصدون عن
سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون, وبينهما حجاب, وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم}.
من هنا بدأ الاشكال, فقد ظن من قال بالقول الأول, أن الواقع في الآيات من المناداة
والرد, كان بعد دخول أصحاب الجنة الجنة, وأصحاب النار النار!.
والظاهر والأحاديث يرد هذا الفهم كله. أولها أن {بينهما حجاب} أظهر أن تكون بين
المتنادين من الفريقين, لا بين الجنة والنار, فمن ذا الذي يقول أن الجنة والنار على أفق
سواء؟, وإذا كانت الجنة درجات بعضها فوق بعض, أثم تكون النار بحدها وجانبها؟.
فهذا الحدث, وهذه المناداة كلها في العرض والحشر, وقبل دخول الجنة والنار, وعلى
رأس ما زلّت به كتب العلماء الأولين المرتضين, أن جعلوا المناداة بين الفريقين بعد
الدخول!.
وهذا دليلنا على ما نقول....
آية سورة هود خير شاهد واصدق دليل, {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا, أولئك
يعرضون على ربهم, ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم, ألا لعنة الله على
الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا, وهو بالآخرة هم كافرون}. فكم
تتشابه الكلمات التي سطّرنا تحتها مع كلمات آية الأعراف السابقة, والآية صريحة بأن
هذا يوم العرض, وقبل الدخول.
الآية بالغة دامغة لا لبس فيها, {وعلى الأعراف رجال يعرفون}, وليس على الأعراف
رجال متساوون!. فالأعراف للمعرفة, الأعراف للمعرفة, الأعراف للمعرفة, لا للتساوي.
"الأعراف", منزلة مشِرفة مشرَّفة عالية, عليها رجال "يعرفون" كلا بسيماهم, وأفرد الله
لها سورة عظيمة طويلة في أول القرآن!..
فنسألكم بالله الذي أنزل الكتاب, إن علمتم هذا, ولم تقرأوا قول أحد من قبل ولم تقرأوا
تفسيرا, غير ما تقرأون من كلام الله هذا, كأنما أخذتم الآيات لتوكم من فم النبي الطاهر,
فمن منا يقول: إنهم الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم؟.
أجزم أن لا يقول بها منصف متدبر!.
قبل أن نمضي في التدبر والنظر, لنرجع إلى أول سورة "الأعراف" معتمدين على
منهجنا الأول بالاستناد إلى البناء الموحد للسور, وانسجام السياق, فماذا نجد؟.
**فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين, فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين,
والوزن يومئذ الحق, فمن ثقلت موازينه فؤلئك هم المفلحون, ومن خفت موازينه فؤلئك
الذين خسروا أنفسم بما كانوا بآياتنا يظلمون}.
**فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}, هذا مرادنا, أن الناس يوم العرض
فريقان, مرسَل ومرسَل إليه, والمرسل إليه أنفسهم فريقان, أصحاب الجنة وأصحاب
النار.
فمن منا يظن أن الله سيوقف موسى بن عمران بجانب فرعون وهامان, ويوقف محمدا
عليه الصلاة والسلام بجانب أبي جهل وأبي بن خلف؟.
بل لن يجمع الله أقل المؤمنين إيمانا, مع أقل الفاجرين فجرا, {وامتازوا اليوم أيها
المجرمون}, فها هي الآية صريحة جلية, تمايز عادل بين المؤمنين والكافرين من الفريق
المرسل إليه.
وفي المؤمنين درجات, منهم الصديقون, ومنهم الشهداء, ومنهم من دون ذلك, ومنهم, من
تداركته رحمة الله من عوام المؤمنين..
فأين الفريق الأول, وأين الرسل الكرام؟.
لا جرم أن لهم "الأعراف" وأنهم مكرمون, إنهم هم أهل المنزلة الرفيعة المشرفة العالية
لا شك, لا من تساوت حسناتهم وسيئاتهم, ولو أننا لم نسمع بمثل هؤلاء أصلا, إنما هي
صنيعة الناس, وإن قال بها الصالحون الأولون, فكلهم جميعا لا يعدلون بمحمد عليه
الصلاة والسلام, وإنما الحجة في قوله وحسب!.
{رجال يعرفون كلا بسيماهم}, لعمرو الله, ما الذي رفع المقصرين على "الأعراف",
وما الذي جعل الجاهلين "يعرفون كلا بسيماهم"؟, لعمرو الله ذلك قول الناس, لا قول الله
ولا رسوله.
رفعوا على الأعراف وعرفوا, كلا بسيماهم..
فشهدوا على هؤلاء وهؤلاء..
فمن هم هؤلاء الأشهاد؟.
إنهم الذين تلونا ذكرهم من قبل في آية هود {ويقول الأشهاد}, إنها يسيرة إذا رجعنا إلى
كتاب الله لنقرأ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد, وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}!. إنهم هم الرسل بلا ريب.
{كلا بسيماهم}, {يُعرف المجرمون بسيماهم}, إنها بلا شك عرصات العرض, يوم
تبيض وجوه وتسود وجوه, فيعرف كل بسيماهم, ويعرف النبي أمته بسيماهم, غرّا
محجلين, في نواصيهم وأقدامهم, و{يعرف المجرمون بسيماهم فيأخذ بالنواصي
والأقدام}.
المشكل الثاني
{ونادوا أصحاب الجنة, أن سلام عليكم, لم يدخلوها وهو يطمعون}.
فقد نقلت إلينا التفاسير, أن أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة بعدما دخلوا جنتهم,
متحسرين على حالهم هم على ما قصّروا, فلم يدخلوها وهم يطمعون!.
وقلنا من قبل, إن الآيات والحديث, تخالفان هذا, فالمناداة كانت في العرض, وقبل
الدخول. ولكن لماذا {لم يدخلوها وهم يطمعون}؟, ومن هم الذين لم يدخلوها وهم
يطمعون؟.
على سياقنا الأول والانسجام الموضوعي, فالذين لم يدخلوها وهم يمطمعون, هم أصحاب
الجنة أنفسهم, لا أصحاب الأعراف, فقد اتفق لنا أنه لم يدخل أحد منزله بعد, وها هم
أصحاب الأعراف "الأشهاد" يعرفون أصحاب الجنة من بين أهل العرض فيشهدون لهم,
ويثبتونهم ويؤمنونهم, وهم لم يدخلوها بعد وهم يطمعون, على ما ظهر لهم من البشارة
والتثبيت. فمن ابيض وجهه, وأوتي كتابه بيمينه, طمع بالجنة, {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا
خطايانا أن كنا أول المؤمنين}, فهذا طمع على ما سلف, وطمع على ما ظهر من التبشير.
{وعلى الأعراف رجال}..
أليس هناك نساء تساوت حسناتهم وسيئاتهم؟!
قد يقول قائل: إنها خرجت مخرج الغالب, كون عامتهم من الرجال.
فنقول وما أدراكم, ولم يكونون كذلك, ولم لا يتساوى الرجال والنساء في الذين تساوت
حسناتهم وسيئاتهم, فكلاهما أهل معصية وذنب؟.
وقد يستدل من يقول بإنها خرجت على الغالب, بآية سورة النور {يسبح له فيها بالغدو
والآصال رجال}, فيقول: ألا يسبح فيها النساء؟, فيستدل بها على الغالب!.
فنقول إن الآية حقا حصرت في الرجال وحسب, ولم يرد بها غيرهم, فقد أتبعها الله بصفة
لازمة للحال التي عليها استحقوا الثناء, فكانت {لا تلهيهم تجارة ولا بيع}, فهل هذه
للنساء اللواتي يتركن البيوع والصفقات بالاسواق, فيسارعن إلى المساجد؟.
ومثل هذا الدليل, حديث النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح, عن صلاة الجماعة, أن
قال :"ثم أخالف إلى رجال في بيوتهم فأحرّق عليهم بيوتهم", فهل أراد بالرجال الرجال
والنساء, إم الرجال وحسب, إذ الأمر بصلاة الجماعة واقع على الرجال دون النساء!.
المشكل الثالث
{وإذا صُرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}.
فقد أولها المؤولون الأولون, أنها دلالة تقصيرهم وآية اعترافهم بذنوبهم, فهم يتحاشون
النظر إلى "ما يستحقون", فتُصرف أبصارهم جبرا وقسرا حتى يقرّعوا ويذكروا بما
فرطوا وأجرموا!.
وهذا أيضا لا يصح, ولا يتفق مع تسلسل السياق والموضوع, فليس كل من يصرف
بصره إلى العذاب أهل للعذاب!, ثم من أين أتوا بأنهم يتحاشون النظر, فتصرف
أبصارهم قسرا, إليها؟!.
بل هي سنة الله وتأديبه لهذه المواطن والظروف, فاقرؤها في حال النبي العظيم محمد
عليه الصلاة والسلام من سورة المؤمنون {قل رب إما تريني ما يوعدون, رب فلا
تجعلني في القوم الظالمين}!, فمن يجرؤ أن يقول: إن الله أمر النبي بهذا لأنه مَنََّ عليه
ونجاه مما يستحق؟, حاش لله!.
ثم إن "صُرفت" لا تجزم أبدا أن صاحبها كان يغالب نفسه ألا يرى فيغلب عليها, بل قد
تكون في حال آمن تنظر أمامك, فيصرف بصرك يمنة أو يسرة, فترى ما شاء الله أن ترى.
من هم هؤلاء.. حتى يثبتوا هؤلاء, ويبكّتوا هؤلاء
ويقضوا بهؤلاء؟!.
{ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم, قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما
كنتم تستكبرون, أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة, أدخلوا الجنة لا خوف عليكم
ولا أنتم تحزنون}.
ما هذا العلو, وما هذه الرفعة, وما هذه المنزلة المكينة, ومن هم هؤلاء الذين يتكلمون من
عال, يوم تخرس الألسن فلا تسمع إلا همسا {لا يملكون منه خطابا, إلا من أذن له
الرحمن وقال صوابا}, فلم يأذن الله لمحمد عليه الصلاة والسلام, واذن للأراذل من
الناس, فسكت النبي وقالوا هم صوابا؟!.
{لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}, لم نسمعها من قبل إلا من الله أو ملائكته الكرام,
فكيف صارت هنا من قول الأراذل المقصّرين؟!.
بعد هذا العرض, وهذه الشهادات, يدخل الناس منازلهم.
{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}.
الآن صار أصحاب الجنة في الجنة وصار أصحاب النار في النار, بعدما شهد
"الأشهاد", وقضى أصحاب الأعراف, فهل يكونون هم الأرذلين المقصرين, أم الرسل
الكرام؟!.
إنهم هم الرجال بحق, وهم أولى بها {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي أليهم}.
إضافة أخيرة
لم يرد جذر "الأعراف" في القرآن كله إلا مرتان, مرة في آخر سورة الأعراف نفسها
{خذ العفو وأمر بالعرف}, فكانت هنا متعلقة بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام. فعلى رأس الآمرين بالعرف يكون الرسول.
ثم في سورة "المرسلات" {والمرسلات عرفا}, وعلى اختلاف المفسرين على المراد
بالمرسلات, إلا أن تعلقها الظاهر الجلي "بالعرف" أجلى من التبيان, فالعلاقة بالغة بليغة
بين الرسالة والعرف!.
فأصحاب الأعراف هم الرسل الكرام المقربون, وهم الأشهاد, بما يظهر لنا من كتاب الله,
لا من كلام الناس, ولا حجة بيننا وبين ربنا غير رسله!.
{لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
فالله الله بيننا وبينكم, أن نقرأ كتاب الله كأنما نزل لتوه, وكأنما نأخذه غضا من فم المبلغ
الأمين محمد عليه الصلاة والسلام, ولو كان ما يقولون ويفسرون حقا ملزما, كلازم
الكتاب والحديث, فقد ابتدعوا على الله ورسوله الباطل.
ولو كان عبد يسمع هذه الآيات من فم النبي, ولم يكن يومها تفسير ولا تأويل, وكان يتلى
يومها في الناس {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}, فبأي التفاسير نلزمه,
وعلى أيها نحمله؟!.