هود (مقاييس اللغة)
الهاء والواو والدال: أصلٌ يدلُّ على إرْوادٍ وسُكون. يقولون: [التَّهويد]:
المَشْيُ الرُّوَيْد.
ويقولون: هَوَّدَ، إذا نامَ.
معانى السكون واللين والترقق كلها تصب فى معنى " الرهبنة" أو
ما نعرفه بالزهد والإنقطاع عن الدنيا.
نصارى:
يقول اللسان:" والأَنْصَرُ الأَقْلَفُ، وهو من ذلك لأَن النصارى قُلْف ،
وعيش قلف هو الرغد ونعومة العيش.
ويقول:" والنَّواصِر: مَسايِل المِياه، واحدتها ناصِرة، سميت ناصِرة لأَنها
تجيء من مكان بعيد حتى تقع في مُجْتَمع الماء حيث انتهت، لأَن
كل مَسِيل يَضِيع ماؤه فلا يقع في مُجتَمع الماء فهو ظالم لمائه.
وقال أَبو حنيفة: الناصِر والناصِرة ما جاء من مكان بعيد إِلى الوادي
فنَصَر السُّيول. إنتهى
نصارى: جمع نصران ونصرانة كما فى المعجم ولا علاقة لها بالأنصار .
الأنصار من الفعل: ينصُر ، والنصارى من الفعل: ينصَر
ينصَر: هو جمع وضم الشىء والفرق بينها وبين الصر التى منها
الصرة أن النَصرة بدخول النون أفادة أن الفعل يكتمل ظهوره بالجمع.
ولهذا قال المعجم أن النواصر هى أماكن تجمع ماء السيل.
..............................
حنف:
نتبع منهج الأستاذ حسن عباس فى كتابه الماتع خصائص الحروف
العربية،
حفف: هو ضنك العيش ويقول المعجم : وحفَّ بطن الرجل: لم يأْكل
دسَماً ولا لحماً فيبس
نفف: يجعلها المعجم فى معنى الخشونة
حنن: جعلها المعجم فى معانى الرزق والرقة والعطف.
نأخذ الجمع بين حنن ونفف للدلالة على حنف على إعتبار أن المكرر
هو النون.
كلمة حنف تعنى إذا رقة العيش وخشونته معاً
...................................................
كيف يجمع الحنيف بين رقة العيش وخشونته؟
الهود هو الرهبنة بمعنى أنك تنعزل عن مجتمعك فلا تعمل طلبا
للرزق ، والنصرنة هو إنشغالك التام والكامل بجمع المال.
بينما الحنف هو سعيك لطلب الرزق ورزقك هذا تقتسمه مع الأخر
من يحتاج إليه. أنت تجمع المال وتزهد فيه فى نفس الوقت، لهذا
تنفق على الأخر لأن همك ليس إكتنازه.
..........................................
ولكن ذلك المفهوم فى معنى العيش، فهل هناك مدلول أخر؟
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة : 5]
الهود هو رهبنة وإنغلاق فكرى ، تعيش مع أفكارك منعزلا عن الأخر ،
والنصرنة هى إنفتاح على الأخر ولكن هذا الإنفتاح لجلب منفعة له
ولا يهتم بالأخر ولا يعير لأفكاره أدنى إهتمام.
الحنف هو أن يكون عندك فكر وتتبادل هذا الفكر مع الأخر بالمناقشة
وغيره.
.............................................
وهذا يكون تحت مظلة توحيد الله وأن نخلص لله الدين
.................................
عندما نتتبع منهج إبراهيم عليه السلام، نجده وصل إلى فكر نتج من
بعد طول نظر وتحقق ، فخرج على قومه بهذا الفكر مقارعا لهم
الحجة بالحجة:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا
نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
(72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
(74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الشعراء
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ
هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا
إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا
هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا
وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
الأنبياء
وهناك كذلك الذى حاج إبراهيم...
.......................
إبراهيم عليه السلام الرسول الوحيد الذى بعد أن كفر بدعوته قومه
توجه بدعوته إلى القرى المحيطة بها، وقد أتاه الله الحجة على
قومه وغيرهم إلى أن إنتهى به المطاف وهو شيخ كبير فى البيت
الحرام:
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ [الحج : 27]
إعلان إبراهيم عليه السلام الحج إلى بيت الله ما كان يلقى صدا
وإستجابة إلا إذا كان إبراهيم عليه السلام وصل بدعوته إلى
العالمية.
ولهذا كان إماما للناس وأمة وما زال إلى اليوم:
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة : 124]
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل : 120]
.......................
والرسول الخاتم أمره الله بإتباع ملة إبراهيم ونحن كذلك مأمورون
بها:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[النحل : 123]
..................
من لم ينغلق على أفكاره ، ومن لم يكن إحادى الفكر لا يقبل الأخر
، ومن أخضع أفكاره للتجربة والتمحيص والتحقيق سيصل حتما لله لا
محالة فى ذلك.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الروم : 30]
........................
حنف: الحاء حركة محدودة والنون إكتما ظهورها ، وإكتمال ظهور
الحاء المحدودة لا يأتى فجأة فهو يمر بمراحل حتة يكتمل ويظهر ،
وبعد إكتمال ظهور يحدث له إنفتاح على الخارج بالفاء.
الهود هو يمثل الحاء فقط فى حنف والتى تبقيه محدود لإنغلاقه
على نفسه ،
والفرق بين النصرنة والحنف هو أن النصرنة متمثلة فى إندفاع ماء
السيل بقوة فى إتجاه معين متجمعا فيه وإنتهى الأمر ، أما الحنف
فهو يتم تدريجيا، لا إندفاع وطيش فيه ، وهو لا يتجمع فى مكان
واحد ولكنه ينفتح على جميع الأمكنة.