وأية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون،
من البحوث التى تفردت بها الصفحة، ونعيد صياغته مرة أخرى:
{ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) } (سورة يس 41 - 43)
ذريتهم : لا تعنى غير " ذريتهم" ، لا غير ذلك
فُلك: اللام تدل على إتصال والكاف على تجمع وتكتل، الفاء التى تفيد التفريق تفرق بين هذا التجمع المتصل مع بعضه البعض.
عندما تنظر إلى ماء البحر وهو هادىء تراه كأنه حصيرة أو سجادة واحدة، هو تجمع متصل من الماء،
وعندما تأتى الريح مسببة فتحاً فى هذا التجمع ، مما يصنع الموجة تلو الأخرى. هذه الموجات عبارة عن وحدات متفرقة من التجمع المتصل.
تأمل هذه الأية:
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
ذكر الطبرى فى جامع التفاسير عن إبن عباس وغيره أنها الإبل، وذكر كذلك عن الضحاك وغيره أنها السفن ( الصغار)،
وقد إحتج الطبرى بالأية : وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) ، فقال لا يكون الغرق إلا فى الماء ولهذا المعنى هو السفن.
ولكن، تدبر قوله " وخلقنا لهم"،
من الذى خلقها؟ الخالق هو الله، فهل الله هو خالق السفن؟ أم الإنسان هو الذى خلقها مما علمه الله؟
إن كانت الفلك فى الأية هى سفينة نوح كما قالوا، فكيف يكون "من " مثلها" هو " سفينة أخرى" ، كبرت أم صغرت؟
نقرأ الأية:
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) } (سورة هود 13)
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) } (سورة البقرة 23)
فأتوا بعشر سور مثله: تدبر هنا أن الأية قالت " مثله" ولم تقل " مثلها"،
لأنه لو كان السؤال " مثلها" لأصبح السؤال عبثى، بمعنى أنهم يأتون بعشر سور مماثلة لسور البقرة والعصر والنصر إلى أخر عشرة،
بينما قوله: " مثله" ، تعنى عشر سور مثل القرءان وهى مختلفة بالطبع عما فيه أصلاً، إلا أنها تتماثل معه فى كون القرءان من عند الله .
أية البقرة قالت " من مثله" ( زيادة " من") ، والفرق هنا هو أنه لا يحدد القرءان أو لا يجعل المثلية فى القرءان ولكنه يفتح الباب لتكون المثلية من أى كتاب من عند الله،
...... وقد بينا فى بحث سابق أن السؤال لا يتحداهم فى أى أن يأتوا سور تقص عن خبر الأولين أو عبارات محكمة الصياغة والدلالة مع جمال اللفظ وحسن موضعه، السؤال هو أن يأتوا بسور أو حديث مفترى من عند الله كما يرمونه بأنه " مفترى على الله"...
خلقنا لكم من مثله: خلقنا لكم مثله
لو كانت " خلقنا لكم مثله" ، لجاز لنا فهمها على أنها السفن أو حتى القوارب
ولكنها" خلقنا لكم "من" مثله : المثلية هنا فى ما نراه هى فى طبيعة الخلقين، هذا سائل والأخر سائل، هذا متدفق والأخر متدفق كذلك،
تأمل:
{ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) } (سورة الطارق 5 - 7)
الماء الدافق هو الذى يحمل الذرية، وماء البحار أو الأنهار هو الذى يحملنا فى البحر وهذا يكون على الأمواج المندفعة المتكونة بفعل الريح.
حَمل ذريتنا فى الفلك المشحون، الماء الدافق الممتلىء بملايين الحيوانات المنوية
وخلقنا لكم من مثله ما تركبون: هو أمواج البحار والأنهار
وهذا وذلك أية لنا لأنهما من " خلق الله" وليست " من خلق الإنسان"،
{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59 } (سورة الواقعة 58 - 59)
الفلك فى القرءان قد تأتى للدلالة على السفن كما فى قصة نوح، ولا نقول على السفينة " فلك" إلا إذا كانت من ألواح الخشب" لأنها جمع متصل ولكنه متفرق عن بعضه" ، خلاف السفن التى تصنع من الحديد المتلاحم ككتلة واحدة.
أو تأتى للدلالة على أمواج البحر التى تتفرق منه وعلى سطحه فى صورة أمواج متفرقة،
كمثال الأية التالية التى تتكلم عن نعم الله علينا وذكر فيها الفلك والمقصود هو أمواج البحر:
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) } (سورة إِبراهيم 32 - 33)
{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) } (سورة النحل 14)