من هم الأعراب ،
قبل الأعراب ننظر فى كلمة " عرب"،
عرب: العين للعلو والإرتفاع والباء للإنبثاق والإمتلاء والراء محور تكرار الحركة بين العلو والإنبثاق.
هذه الصورة توحى إليك بالماء الخارج من الأرض فى صورة عيون ، أو بصورة النبتة الخارجة من البذرة فتعلو وتنبثق وتمتلىء لتصير نبات يافع مثمر.
ولهذا تجد القاموس المحيط وسط هذا الزخم فى المعاجم يقول :
" والعرب: الماءُ الكثيرُ الصَّافي ، وعرب البئر والنهر : كثر ماءه وغمر
ويقول صاحب تاج العروس : والعَرَبِيُّ : شَعِيرٌ أَبيضُ وسُنْبُلُه حَرْفَانِ عَرِيضٌ وحَبُّه كِبَارٌ أَكبرُ من شَعِير العِرَاقِ وهو أَجودُ الشَّعِير "
فماذا يعنى إذاً " لسان عربى"؟
قالوا أنه الواضح البين ،
ولكن القرءان وصف هذا اللسان العربى أنه مبين:
{ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } (سورة النحل 103)
فكيف يوصف المبين بأنه مبين؟
نرجع إلى ما بدأنا به، ونقول أن اللسان العربى هو لسان غزير بمفرداته أو يتمتع بثروة كلماته وهذه الكلمات وصفها القرءان أنها " مبينة".
وهذا خلاف اللسان الأعجمى:
عجم: العين للعلو والإرتفاع، ولكن الجيم تجذبها إلى الداخل وتتم الحركة بالميم. الماء والنبات لا ينمو أو ينبثق.
هذا لأن بيئة هذا اللسان ببيئة زراعية والزراعة هى أم الثقافة أو الحضارة منذ القدم.
والزراعة تعنى ماء وفير وتربة صالحة ونباتات واشجار تثمر.
وهذا اللسان هو لسان الرسول عليه السلام:
{ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) } (سورة الدخان 58)
هذا لتعلم البيئة التى نشأ فيها الرسول عليه السلام ....
نأتى إلى " الأعراب" ،
هذه الكلمة أول ما ظهرت فى القرءان كان فى سورة الأحزاب ثم الحجرات ثم الفتح وأخيراً فى سورة التوبة،
{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) } (سورة الأحزاب 20)
فى هذه الأية لم يكن الحديث عن إيمانهم ، الكلام عن المنافقين وتقول الأية أنهم يودون لو أنهم بادون فى الأعراب،
بادون: أتت فى سورة الحج كمقابل للعاكف والعاكف هو الذى لا يغادر مكانه ( العاكف فى المسجد) والباد هو من يتحرك هنا وهناك أو لا يستقر فى مكانه ومنها أتت كلمة البدو لعدم إستقرارهم فى مكان ثابت:
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) } (سورة الحج 25)
يوسف عليه السلام عندما قال:
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) } (سورة يوسف 100)
حياة البدو التى كان فيها أبوه وإخوته كانت عارضة لحالة الجفاف وقتها ( سبع سنين عجاف) فكان لزاماً لهم التنقل هنا وهناك بحثاً عن الكلاْ والماء.
وهذا الوضع يختلف لو رجعنا بالزمن قليلا إلى إبراهيم عليه السلام إذ دخل عليه ضيفه المكرمين فجاء بعجل " سمين":
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) }
(سورة الذاريات 24 - 26)
(سورة الذاريات 24 - 26)
العجل السمين ليكون سمين يتطلب ماء وفير ومرعى صالح لرعى الماشية، وهذا خلاف مراعى الغنم.
الأعراب تختلف عن البدو لإختلاف المبنى،
والتفاسير تقول أنهم بدو رحل دخلوا الإسلام طمعاً فى الصدقات ، ولكن القرءان يقص علينا خلاف ذلك:
كان لهم أموال:
{ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) } (سورة الفتح 11)
وكانوا يتفقون فى سبيل الله وإن إختلفت الدوافع:
{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) } (سورة التوبة 98 - 99)
وهم من الأغنياء:
{ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) } (سورة التوبة 93)
المعاجم قالت أن العرب هم سكان الريف والمدن وإن إنتقلوا إلى البادية فهم الأعراب،
وهذا غير صحيح ، لأن الأعراب هم سكان الريف حيث الماء الوفير وإمكانية تربية الماشية وهى مقابل كلمة البدو.
هم طبقة الأغنياء التى ظهرت فى أواخر العهد المدنى وبدأ الحديث عنها تفصيلا فى سورة التوبة والفتح بعد فتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجاً.
ومنهم من صدق إيمانه وما أنفقه ومنهم من تاجر بإيمانه ونفقاته وإتخذه مغرماً يعود عليه بالربح.
ومنهم من صدق إيمانه وما أنفقه ومنهم من تاجر بإيمانه ونفقاته وإتخذه مغرماً يعود عليه بالربح.
الحديث هنا عن طبقة الفلاحين ومربى المواشى:
{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) } (سورة التوبة 97)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق