أرى فى المنام أنى اذبحك ....
يقول إبن عربى فى كتابه فصوص الحكم أن تأويل الرؤيا هو قتل الطفل فى داخله،
وإبن عربى وغيره من المتصوفة أساتذة ما نسميه التفسير الباطنى للقرءان وهذا التفسير يتجاوز الحروف والمفردات إلى ما وراء المعنى ، والأحرى أن نقول هو تأويل الظاهر إلى الذى هو عندهم لا يعبر عن الحقيقة إلى ما يظنوه عين الحقيقة ، هو على غرار تأويل سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، ظاهر القول أنك ترى سبع بقرات حقيقية إلتصق جلدها على عظمها وهى تلتهم أُخر سمينة مكتنزة اللحم ، وباطن هذه الصورة هو سبع سنين وافرة المحصول يأتى بعدها سبع أخر من الكساد.
ولكن أصحاب هذا النهج فى التفسير غاب عنهم شيئاً مهم وهو أن تأويل الظاهر إلى معنى باطن لا يجوز إلا إذا كان المعنى الظاهر يخالف التصور والعقل والمنطق ، فأنت لا يمكنك تصور بقرة نحيلة تأكل أخرى سمينة عفية ، ليس لمسألة النحافة والفتوة وحسب ولكن لأنه كذلك لا يأكل البقر بعضه البعض.
كما أنه عندما نتأمل رؤيا يوسف عليه السلام فإنه يستحيل عليه تصور أن هذه الشمس التى نراها فى السماء والقمر وإثنى عشر كوكباً تسجد أمام يوسف، لهذا وجب علينا هنا أن نتأول المعنى أو الصورة لنكون فكرة تعبر عن واقع منطقى يمكن حدوثه.
ولكن إبن عربى أصاب هنا فى قصة إبراهيم عليه السلام وذبحه لإبنه، لأننا هنا أمام رؤيا منامية ظاهرها أن إبراهيم عليه السلام يذبح إبنه وهذا بأمر من الله،
إبراهيم عليه السلام لم يتأول الرؤيا وأخذها على ظاهرها وأراد أن ينفذها بالحرف كما تقول ...
يقول إبن عربى أن إبراهيم عليه السلام صدق الرؤيا ولم يصدق فيها لأن القرءان لو قال أنه صدق فيها لكان معنى ذلك أن الرؤيا كانت تأمره حقيقةً بذبح إبنه ، هو هنا يفرق بين صدقت الرؤيا وبين صدقت فى الرؤيا،
وإبن عربى أصاب فى ذلك وإن أخطأ فى حرف الجر، لأن حرف الجر لزماً أن يكون الباء وليس "فى"،
وأنت تقرأ أخر سورة التحريم تجد أن مريم عليها السلام قد صدقت بكلمات ربها ، والتصديق ب يعنى العمل بهذه الكلمات وتنفيذها :
{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) } (سورة التحريم 12)
هناك من يجيىء بالصدق و يصدق (ب)ه ... ، وتصديقه به يعنى عمله له:
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) } (سورة الزمر 33)
ولهذا كانت مريم عليها السلام صديقة ، هى صديقة ليس لأنها صدقت كلمات ربها أو صدقت رسول ربها إليها وحسب ولكن هى صديقة لأنها فعلت ( بتشديد العين) ونفذت ما تقوله الرسالة أو الكلمات.
وصفت صديق يحملها إبراهيم عليه السلام وإدريس وقد جاءت ليوسف عليه السلام ولكنه كانت على لسان صاحبى السجن ، ولا شك أن جميع الرسل والنبيين يصدقون بكلمات ربهم ، ولكن هذه الصفة فى إستعمال القرءان تعنى حصراً من صدقوا أمراً خارق للعادة أو متعلق برؤيا.
نرجع إلى أية ذبح الغلام ونقول مع إبن عربى أن إبراهيم عليه السلام كان عليه أن يتأول الرؤيا وتأويلها هو ذبح الطفل الذى فى داخلها والمعنى هو تعلقه بطفله الصغير الذى إنشغل به عن الرسالة أو مهمته كرسول، وهذه الرؤيا كانت بلاء عظيم له كما وصفها القرءان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق