يا سماء أقلعى .......... ويا أرض أبلعى ماءك
هل السماء والأرض تعقل؟ حتى يُنادى عليها؟
عندما تحاول أن تدير سيارتك فتزمجر ، فماذا أنت فاعل؟
هذه الزمجرة الصادرة من السيارة توحى إليك إما أنه ينقصها بنزين أو عِلة فى دائرة الكهرباء متمثلة فى البيجوهات أو غيرها،
لنقل العلة فى البنزين ، فتملآ خزانها بالبنزين وتعاود الكرة مرة أخرى محاولاً أن تديرها، فإذا هى تدور ..
هل للسيارة عقل أدركت به أنه هناك بنزين أو طاقة تساعدها على أن تدور؟ إن كانت السيارة لا تعقل فلن يفرق معها إن كان فيها بنزين أو لم يكن ! كيف عقلت السيارة حالة إنعدام البنزين وحالة تواجد البنزين؟
عندما يبلغ منك الجوع مبلغه فأنت تسمع زمجرة معدتك فتدرك معها أن بحاجة إلى الطعام، ولكن
ولكنك لم تدرك أو تشعر بمقدمات الزمجرة، ما وصل إليك أو إلى إحساسك هو نهاية الفعل بدون مقدماته ، أو بمعنى أدق أنه هناك مراحل سبقت الزمجرة وقرصة الجوع التى شعرت بها وأنت عنها غائب تماماً ...
هذا الجوع يصيبك بالإجهاد وتقل معه حركتك أو مجهودك وما إن تأكل تعاود إليك قوتك وتبدأ الحرك نشيطاً ..
أنت هنا فى حالت جوعك لا تختلف عن السيارة إلا فى شىء واحد وهو الإرادة،
السيارة لا تستطيع أن تذهب بنفسها لتشرب البنزين ولكنك بإرادتك ذهبت فأحضرت طعاماً ،
أنت فى جوعك وشبعك ومرضك وشفاك مبرمج مثلك مثل السيارة هذه ،
وما من شىء إلا ويسبح بحمد رب العالمين ، وهذا التسبيح لا علاقة له بالكفر والإيمان أو الكره والطاعة ، هو حالة جبرية لا إرادة لشىء ما كان فيها.
وفى هذا يستوى من كان له إرادة أو منزوع الإرادة،
من كان ظلوماً جهولاً وقبل حمل الأمانة ومن جاء طوعاً يفعل ما يُؤمر به أن يفعله.
الشمس والقمر فى حركة دائبين، لا الشمس سابقة للقمر ولا القمر يسبق الشمس ، كلاهما يسير فى فلكه أو مساره ولا يحيد عنه ، هى مبرمجة لذلك ولكنها تدرك ما تفعله، ولا يمكنها أن تعصى هذا الأمر، لا توجد فى تركيبها إمكانية أن ترفض ...
يا ءادم لا تقرب هذه الشجرة ..
ءادم يملك إمكانية تنفيذ الأمر أو تركه ، هذا كان إختياره، أيهما العاقل ءادم أم الشمس والقمر؟
أنت تعلم ورأيت مملكة النمل أو النحل وهى تعيش وتعمل فى نظام صارم لا خلل ولا كلل فيه ولا تفكر هذه الكائنات أن تترك ذلك،
النحل لا يستطيع أن يمنع نفسه عن إنتاج العسل ، تأمل هذه المملكة وتأمل سكناتها وحركاتها وإسأل نفسك إن كان هؤلاء عقلاء أم بنو العرب على سبيل المثال من عالم الإنس ..
السؤال إلى السماء والأرض فى أية 11 فصلت :" إئتيا طوعاً أو كرهاً" ، هذا السؤال بصيغته تلك التى عبر عنها القرءان لم تكن هى كذلك، لأن السماء والأرض لا تتحدثا العربية ،
ما قصه القرءان هو ترجمة للسؤال بلسان الرسول عليه السلام ، نعم كان هناك حوار بسؤال وجواب ولن نستطيع أن ندرك أبعاده إلا بلسان القرءان العربى المبين.
يجب علينا أن نفرق بين علاقة الإنسان وما حوله وبين علاقة الخالق والمخلوق،
الإنسان خالق السيارة وهو يعلم كل صغيرة وكبيرة فيها وفوق كل ذلك يعلم كيف أن يتواصل مع سيارته، هو الذى يسقيها إن عطشت وهو الذى يشفيها إن مرضت ، بل ويعلم مسبقاً وعلمه هذا فى كتاب ( كتاب صنع السيارة) ، فى هذا الكتاب تم سطر سنن السيارة ، وهذه السيارة لا تستطيع أن تغير وتبدل فى هذه السنن ، على سبيل المثال من سنن السيارة أنك تغير زيتها بعد ستة أشهر أو بعد أن تقطع مائة كيلو ومن يملكون سيارة يعلمون الكثير من هذه السنن.
سنن الخالق أحسن الخالقين رب العالمين هى لا تتبدل ولا تتغير كذلك ، لأن أحسن الخالقين جعل هناك كتاب لم يفرط فيه من شىء وهو كتاب الخلق وسنن الخلق ، أنت تعلم أنه من سننك أنك ميت لا محالة، لك أجلٌ معلوم ، مدة صلاحية مثلك مثل السيارىة التى صنعتها.
ورب العالمين خالق السماء والأرض وما فيهن قادر على أن يتواصل مع ما خلقه وهذه المخلوقات مبرمجة على التواصل كذلك معه سبحانه وتعالى وهى لا تعصى له أمراً ، مثل سيارتك إن أردت أن تسير سارت أو تتوقف توقفت.
نحن لا نفقه كيفية إستجابة هذه المخلوقات لخالقها لأننا لم نخلقها ولا علم لنا بكيفية خلقها أو برمجتها كما قلنا.
البقرة التى هى يهيمة ولا تفقه شيئاً تتواصل مع البقر أمثالها ونحن لا ندرك ذلك ، هى لا تعقل لأنها مسلوبة الإدارة ، تعيش وتحيا ببرنامج لا يتغير ولا تملك تغيره.
فعندما يخاطب رب العالمين السماء أن تقلع لا يصح أن نقول أنها صورة بلاغية جميلة تحمل فى طياتها مجازاً أو إستعارة لأن ذلك يجوز فقط عندما يخاطب بنى ءادم السماء ويشتكى إليها على سبيل المثال أو يخاطب الشاعر العباسى إبن الأحنف الطير شاكياً له بعد حبيبه طالباً منه العون:
بكيتُ على سرب القطا إذ مررن بي = فقلتُ ومثلي بالبكاءِ جديرُ
أسرب القطا هل من يعيرُ جناحهُ ؟ = لعلي إلى من قد هويتُ أطيرُ
تأمل هنا أيات فصلت وتجد فرقاً فى كيفية التواصل، هنا التواصل كان على غرار التواصل مع بنى ءادم ، وهو النطق ، والعلة لأن الجلود والأرجل هنا شاهدة وعلى من تشهد عليه أن يسمع كذلك شهادتها وإلا لما كان حكماً بالقسط :
{ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) } (سورة فصلت 20 - 21)
هنا جعل الخالق الجلود تنطق بلسان الإنسان نفسه ليسمع بأذنيه الشهادة.
الخلاصة : تصنيفنا للمخلوقات إلى عاقلة وغير عاقلة هو تصنيف قاصر وفقاً لمداركنا نحن ، وسأطرح عليك شيئاً أخر قبل أن نختم ، الكلاب والصقور على سبيل المثال، هل هى عاقلة فى تصنيف الإنسان؟ هى ليست كذلك،
ولكن هذا الإنسان يقوم بدور المعلم لهذه الابة أو هذا الطير وهؤلاء يتعلمون ويتقنون ما يتعلمونه فيستعملها الإنسان فى الصيد ، كان صيدً للحوم أو اللؤلؤ، فكيف عقلت هذه الدواب ذلك؟
هى لم تعقل ولا يمكنه أن تعقل لأنها مسلوبة الإرادة ، هى تحمل فى داخلها برنامج وما قام به الإنسان هو تنشيط هذا البرنامج، لا أكثر من ذلك.
وهى على ذلك تطيعه وتسمع كلامه وتتواصل معه ، وضع خطوط تحت تواصلها معه ذلك ،
فتأمل الفرق بين التواصل وبين ان تعقل ..
تدبر التشبيه فى الأية:
{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) } (سورة الفرقان 44)
هنا يشبه القرءان هؤلاء من لا يعقلون بالأنعام، ويزيدهم ضلالا عن الأنعام ، لأن الأنعام ليس لها أن تتلقى أوامر ونواهى فتفكر فى أن تقبلها أو ترفضها ، هى مسخرة على الطاعة ،
وتعجب إن علمت أنها مسخرة لطاعة هذا الإنسان ... قتل الإنسان ما أكفره
ما يقولونه فى الشعر وقول القرءان ليس بشعر ولا قول كاهن، ما يقولونه فى شعرهم لا يجوز ويصح ان يقولونه فى كلام الخالق رب العالمين