إن إبراهيم كان أمة ......
ما معنى الكلام؟
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) } (سورة النحل 120)
إبراهيم عليه السلام نشأ فى قومٍ كانوا يعبدون الأصنام وهذا كان مبلغهم من العلم القائم على عصارة ثقافة ورثوها من الأباء، ثقافة الأباء هذه كانت نتاج بنات أفكارهم التى صاغوها فخرجت فى صورة تقديس الحجر ، نتكلم عن عبادة الله ولا نتكلم عن علوم الفيزياء أو الحساب.
عبادة أى شىء غير الله تتطلب البرهان، والبرهان لا يكون إلا من عند الله ويكون فى كتاب منزل من السماء:
{ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) } (سورة النمل 64)
{ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) } (سورة المؤمنون 117)
والبرهان يكون من عند الله:
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) } (سورة النساء 174)
من يعبد غير الله برهانه إما أنه وجد الأباء عليهم عاكفون أو يقول مثل ما قالوا أنهم ما يعبدوهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفا، وهذا ليس ببرهان:
{ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) } (سورة الزخرف 22)
{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) } (سورة الزمر 3)
وهؤلاء المشتركون فى هذا الرأى أو الثقافة ،هؤلاء " أمة" والأمة هى مجموعة أفراد تتفق فى الإتجاه العقائدى، وقد تعتمد على كتاب منير منزل من عند الله أو تعتمد على مجموعة أفكار أفرادها التى تنصهر معاً لتكون مشترك ثقافى.
الناس كانت فى بداية الخلق أمة واحدة لها مشترك عقائدى واحد ، إلا أنهم إختلفوا:
{ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) } (سورة يوس 19)
لنوضح الأمر أكثر ، نضرب مثالاً بمصر النيل، من حيث ثقافة العقيدة نجد أن النصارى أمم مختلفة وكذلك المسلمين أمم مختلفة، فتجد أتباع الكنيسة الإنجيلية أمة وأتباع الكاثولوكية أمة أخرى، وتجد السلفية أمة والأشعرية أمة ... إلى أخره،
من القرءان تجد أهل القرية التى كانت حاضرة البحر تتكون من ثلاث أمم وإن:
{ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) } (سورة الأَعراف 163 - 164)
وتجد أهل الكتاب اصحاب المشترك الواحد ( الكتاب) مختلفون فصاروا أمم ومنهم أمة مقتصدة واحدة:
{ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) } (سورة آل عمران 113)
جميع المسلمين المستمسكين بكتاب ربهم المقتصدين من أدم إلى محمد عليهما السلام ، جميعهم أمة واحدة:
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) } (سورة الأنبياء 92)
إبراهيم عليه السلام تفرد عن هؤلاء جميعاً، لأنه الوحيد الذى توصل إلى عبادة الله وحده بنفسه، فصاغ بنفسه ثقافة عقادية لا تعتمد على إرث الأباء ولا تعتمد على وحى السماء، ولهذا إبراهيم عليه السلام " أمة قائمة بذاتها"،
ولتفرده ذلك جعله الله للناس إماماً:
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) } (سورة البقرة 124)
ولهذا نبينا عليه السلام ونحن مأمور بإتباع ملة إبراهيم حنيفاً:
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) } (سورة النحل 123)
...................................
أهل الكتاب كانوا يتباهون ويرفعون أنفسهم فوق الذين كفروا لأنهم يتبعون كتاب سماوى، بينما الكافرون يتبعون عقيدة نابعة من بنات أفكارهم أو ورثوها عن الأباء:
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) } (سورة البقرة 89)
ولهذا أطلقوا على من خالفهم لفظة " الأميين" لأنهم لا يتبعون كتاب الله كبرهان على ما يعبدون ويتبعون الأباء أو ثقافة ذاتية ناشئة من أفرادها:
{ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) } (سورة آل عمران 75)
ونبينا عليه السلام كان " أمى" لأنه يتبع ثقافة مجتمعه العقائدية، هو كان تابع لأمته، إلا أن إجتباه الله وأنزل عليه الكتاب:
{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) } (سورة الضحى 7)
{ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) } (سورة القصص 86 - 88)