وهذه الرتابة موجودة كذلك فى الرياضيات وتسمى " رتابة دالة إشتقاقية" ، من خلال دالة رياضية يعرف قدرتك على الإشتقاق أو إنعدامها.
وهى كذلك موجودة فى علم اللسانيات والموسيقى، فالكلمة الرتيبة هى الكلمة التى تفتقد التنغيم أو التغير الصوتى من خفض ورفع وتنوين ومدود وخلافه،
وربما تكون موسيقى "الراب" وهى مشتقة من كلمة إنجليزية قديمة تعنى التمتمة وهذه التمتة تكون بصوت منخفض وكلمات التمتمة لا تكون واضحة وتفتقد هذا التنغيم، ربما تكون موسيقى الراب معبرة عن رتابة الموسيقى، فمغنى الراب لا يأتى التنغيم الذى نجده فى الغناء الكلاسيكى وحتى الموسيقى المصاحبة له لا نستطيع أن نقول عليها " لحن موسيقى" لإفتقادها التفاعل مع مخارج اصوات الحروف أو الكلمات.
فى الميثولوجيا الإغريقية توجد شخصية سيسيفوس وهو شخصية ماكرة إستطاعت أن تخدع إله الموت تاناتوس مما أغضب كبير الألهة زيوس فعاقبه بحمل صخرة من أسفل الجبل إلى قمته، فإذا وصل القمة تدحرجت الصخرة إلى الوادى فيعود إلى رفعها مرة أخرى إلى القمة ويظل هكذا إلى الأبد ، فأصبحت تلك الشخصية رمزاً للعذاب النفسى الأبدى،
أنك تقوم بفعل نفس الشىء مراراً وتكراراً ولا تصل إلى نتيجة يؤدى بك إلى حالة التشبع النفسى أو الرتابة وفى أسوأ حالاته يؤدى إلى الإنهيار النفسى.
ومن توابع حالة الرتابة هذه ما يعرف فى علم النفس بمتلازمة " الإحتراق النفسى" وهو ما رمز له بالشمعة المحترقة وهى حالة من الإنهاك الشديد يتعرض له الشخص فيفقده الدافع تجاه عمله وخاصة عندما يؤدى هذا الروتين اليومى إلى "لا" نتيجة أو لا يصل إلى ما يتوقع جراء هذا العمل.
وقد عرفه البعض بأنه حالة من الإرهاق المزمن والكآبة والإحباط تنتج عن التفانى لقضية ما أو نمط حياة أو علاقة تفشل فى تحقيق النتائج المتوقعة".
وبعض المهن تشكل مخاطر للإصابة بتلك الحالة ولاسيما المهن التى تستلزم جهد فكرى وعقلى ووجدانى وعاطفى، أو مهن تستدعى مسئولية كبيرة تجاه الأخرين، أو مهن ذات أهداف صعبة المنال أو أخرى بها غموض أو صراع على الأدوار.
وهناك أشخاص يكونون أكثر عرضة لتلك الحالة من غيرهم وهم من لديهم مُثل عليا فى الأداء والنجاح، أو أشخاص مركز إهتمامهم الوحيد هو عملهم، أو يربطون الرضا النفسى بالأداء المهنى مما يحققونه .
ومن أعراض أصحاب حالة الإحتراق النفسى: آلام عامة ، فقدان التركيز، أرق، سرعة الإستثارة، نفاذ الصبر ، الإنهاك الجسمانى والنفسى وفقدان الدافع للنهوض والذهاب إلى العمل.
........................
{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) } (سورة البقرة 1 - 2)
ذلك الكتاب لا ريب أو تقرأها لا ريب فبه، هذا الكتاب يقول عن نفسه فى أول ما تقرأه أنه لا ريب أو لا ريب فيه، لماذا؟
يقول الباحث غالب غنيم :" إعلم أن الكلمة المذكور فى القرءان لمرة واحد فإن معناها يطابق غالباً ما جاء فى المعاجم" والكلمة التى ذكرها القرءان بإشتقاقات مختلفة وسياقات مختلفة فقد إنحرفت المعاجم عن معناها الحقيقى وتكرار القرءان لها فى مواضع وصور مختلفة ما هو إلا حفظاً للمعنى من التحريف وتبياناً له".
فتجد كلمة ريب وريبة ومريب فى سياقات مختلفة فى القرءان ، ومن هذه السياقات وصف الشك بأنه مريب وهذا يجعلك لا تتفق مع قولهم أن الريب هو الشك. هى كدالة إشتقاقية حفظ القرءان بها معنى الكلمة ليصل إليه من هو غير مصاب بالرتابة الفكرية.
ونرجع للمعاجم ونجد فيها قولهم أن الريب هو الشك ، إلا أنهم ذكروا معانى أخرى لها ومنها:
يقول إبن منظور تحت مادة " روب" وقد ذكر نفس المعنى القاموس المحيط تحت "راب": ورابَ الرَّجلُ رَوْباً ورُؤُوباً: تَحَيَّر وفَتَرَتْ نَفْسُه من شِبَعٍ أَو نُعاسٍ؛ وقيل: سَكِرَ من النَّوم؛ وقيل: إِذا قام من النوم خاثِرَ البدَنِ والنَّفْسِ؛ وقيل: اخْتَلَطَ عَقْلُه، ورَأْيُه وأَمْرُه.
ورَأَيت فلاناً رائباً أَي مُخْتَلِطاً خائِراً.
وقوم رُوَباءُ أَي خُثَراء الأَنْفُسِ مُخْتَلِطُون
كلمة منون : قالت المعاجم وأجمعت على أنها تعنى الضعف والإعياء الشديد، ولأن المعاجم متأثرة بما جاء فى التفاسير قالت أن " ريب المنون" هى عوائد الدهر" فجعلت من الريب العوائد ومن المنون الدهر وقالت أن الموت وعللت قولها بأن الدهر والموت يضعف الإنسان وهذه الحجة لا تجعل معنى الكلمة بأنها الدهر أو الموت.
نحن نبقى على فهم المنون على أنها الضعف والإعياء ، ولهذا يكون " ريب المنون" هى حالة نفسية ناتجة عن الإعياء الشديد مسببة الفتور وخوار الهمة أو ما قلنا عنه فى المقدمة أنه الرتابة والإحتراق النفسى ( وسنتناول ذلك بالتفصيل)
واالشك هو حالة رمادية لا تصل فيها إلى قرار أو حل لمًشكل ، وعندما تأتيك معطيات جديدة فيجب أن تنقلك هذه المعلومات إلى حالة اليقين وإتخاذ قرار فى المسألة وهذا من صفات الإنسان العاقل المفكر، أما من يعانى من رتابة ذهنية فشكه لا يتغير مهما أعطيته من دلائل وبراهين، لذلك وصف القرءان شكهم بأنه مريب لا يتقدم أو يتأخر ، فى الوضع محلك سر دوماً.
ذلك الكتاب لا ريب فيه، لأن ما يعرضه هذا الكتاب لا يسبب للقارىء التشبع والملل وهذا المحتوى يناقش معك مسألة الإيمان بالله واليوم الأخر وفعل الخيرات وهو يعرض لك فى تناوله لهذه المسائل محتوى ليس فيه رتابة لأنه يصل بك إلى النتيجة المنطقية العقلية السوية وهو لا يكل ولا يتعب بسبب ذلك.
............................
ولهذا يدعونا ذلك الكتاب إلى إتباع ملة إبراهيم حنيفاً، وتكرر هذا الأمر،
وأول ما نقرأ ذلك فى سورة البقرة كذلك:
{ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) } (سورة البقرة 135)
{ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) } (سورة يونس 105)
وذهب القرءان إلى وصف من يرغب عن ملة إبراهيم بالسفاهة:
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) } (سورة البقرة 130)
وأول المأمورين بذلك كان الرسول عليه السلام ونحن نتبعه فيما أوحاه الله إليه وأمره به:
{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) } (سورة النحل 123)
ولكن لماذا ملة إبراهيم؟
تأمل الدالة الإشتقاقية الإبراهيمية:
إبراهيم عليه السلام يبحث عن الله فى الملكوت، يتأمل ما حوله وهو لم يبحث فى الأرض وإختار السماء لأن فيها علو وغموض كذلك،
جن الليل ، فرأى كوكباً منيراً ولأنه يبحث عن النور الذى ينير الظلمات إنتهى إلى نتيجة تقول أن الكوكب هو الرب،
فأصبحت الدالة كالتالى:
الليل المظلم
الكوكب المنير
الرب حتماً يكون مصدرال نور المبدد للظلمات
النتيجة: الكوكب هو الرب
ولكنه لم ينتهى عند هذه النقطة وواصل البحث:
الليل المظلم
الكوكب المنير
الرب حتما يكون النور المبدد للظلمات
الكوكب هو الرب
الكوكب أفل ، إختفى وذهب نوره
النتيجة: لو ظل إبراهيم عليه السلام عند إشتقاقه الأول " الكوكب هو الرب" لكان عنده رتابة ذهنية فكرية، إلا أنه وصل إلى نتيجة إشتقاقية تتطور مع الدالة الجديدة وهى أن ذهاب نور الكوكب يدل على أنه ليس الرب ،
وواصل البحث ولم يكتفى بذلك، يريد أن يتأكد لصحة الدالة،
الليل المظلم
الكوكب المنير
الرب حتما يكون النور المبدد للظلام
الكوكب هو الرب
الكوكب ذهب نوره
الكوكب ليس الرب
القمر أكثر نوراً من الكوكب
القمر هو الرب
القمر قد ذهب نوره ( إختفى)
القمر ليس الرب
الشمس أكبر من القمر ومن الكوكب
الشمس هى الرب
الشمس قد ذهبت وذهب نورها
الشمس ليست الرب
هذا هو ملة إبراهيم عليه السلام أو منهجه فى التفكير وما أسميناه " دالة إبراهيم"،
هنا وصل إبراهيم عليه السلام ألى أن الرب فوق كل ذلك وأنه هو خالق كل ما يراه
...........................
رسل الله هم دعاة الله، يدعون لعبادة الله الواحد وفعل الخيرات ، وهم فى ذلك يخاطبون العقول والقلوب ، هو مجهود عقلى وعاطفى وهذا ليس بالهين.
الملؤا من كل قوم وقرية كانوا يتربصون بالرسل وينتظرون حالة " ريب المنون" وهى حالة ضعف وخوار همة الرسول فيصاب بالرتابة والإحتراق النفسى،
وكان لهم فى ذلك طرق شتى،
منها قولهم:
{ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) } (سورة الحجر 6)
{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) } (سورة الإسراء 47)
{ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) } (سورة ص 4)
قولهم أن الرسول مجنون وتارة مسحور وأخرى أنه نفسه هو ساحر ما هو إلا ضغط نفسى على الرسول وهذا يسمونه فى علم النفس " التنمر" أو " الإرهاب النفسى" ،)
( Bully l Mobbing)
وهذا الإرهاب النفسى له أبعاد عديدة منه الإساءة اللفظية كما أشارت الأيات السابقة،
ومنه كذلك العزلة كما حدث مع لوط عليه السلام:
{ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) } (سورة الحجر 70)
تخيل أنك تمر بنفر من الناس وتتجه إليهم بالحديث فإذا هم يسدون أذانهم بأيديهم ويستغشون ثيابهم ، تخيل تأثر ذلك النفسى عليك:
{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) } (سورة نوح 7)
{ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) } (سورة هود 5)
أو مجرد أن يروك وتبدأ الحديث يفرون من أمامك:
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) } (سورة المدثر 49 - 51)
هذا تفعله العامة بأمر من الخاصة منهم أو الملأ:
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) } (سورة فصلت 26)
هذا التنمر أو الإرهاب النفسى منتشر فى أماكن العمل اليوم أو فى المدارس، فتجد على سبيل المثال أحد التلاميذ يتعرض دوماً للإهانة من الزملاء والعزلة فلا يلعبون معه ولا يحدثونه إلا بكلمات مهينة ويتعرض فى الغالب للإيذاء الجسدى منهم، وهذا يؤدى إلى إنهيار الضحية فيعرض عن الذهاب إلى المدرسة، وقد يحدث هذا التنمر من المدرس نفسه الذى يستسخر دائماً بأحد تلاميذه ويجعله مجال للسخرية أمام الأخرين.
وتزداد وتيرة الإرهاب النفسى لتصل مستوى التهديد والوعيد بالإيذاء الجسدى:
{ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) } (سورة الشعراء 116)
أو الطرد والتهجير الجبرى:
{ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) } (سورة الشعراء 167)
{ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) } (سورة الأَعراف 88)
ومنهم من يتمادى ليصل إلى القتل ، قتل أهل الرسول إمعاناً فى التخويف والإرهاب:
{ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) } (سورة النمل 49)
ويتخلل ذلك محاولة الإستمالة:
{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) } (سورة القلم 9)
{ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) } (سورة هود 62)
قولهم :" قد كنت مرجوا فينا من قبل" هو مدح له وترغيب فى المكانة التى قد ينالها إن ترك ما يدعوهم إليه.
...........................
ولا تكن كصاحب الحوت ...
القرءان أنزله الله مفرقاً ولم ينزل جملة واحدة والحكمة من ذلك هو تثبيت فؤاد الرسول عليه السلام فلا يصل إلى حالة ريب المنون، وقد قص القرءان أخبار الرسل السابقين تعليماً للرسول عليه السلام ليتخذ من ذلك العبرة والعظة والحكمة،
فتجد القرءان يعظ الرسول عليه السلام بألا يكون كصاحب الحوت:
{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) } (سورة القلم 48)
وصاحب الحوت يونس عليه السلام إعتراه حالة الرتابة والإحتراق النفسى فذهب مغاضباً تاركاً مكان العمل دون الرجوع إلى رب العمل، أعياه إعراض قومه وأتعبه تكرار دعوتهم إلى عبادة الله الواحد ولأنه لم يحقق النتيجة المرجوة منه والتى كان هو يسعى إليها فتراه أو رأى نفسه مثل حامل الصخرة إلى قمة الجبل وما يلبث أن يصل فتقع منه منحدرة لأسفل مرة أخرى:
{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) } (سورة الأنبياء 87 - 88)
ولكنه إستغفر ربه وأناب فأُستجيب له وكانت نجاته ، وقوم يونس عذبهم الله لصدهم وكفرهم، إلا أنهم أمنوا لما رأوا العذاب فنجاهم الله كذلك من العذاب، وهم الوحيدون ( فى حدود ما قصه القرءان) الذين نجوا من عذاب واقع بهم لما أمنوا ، سنن الله فى الأمم السابقة كانت لا ينفع إيمان بعد وقوع العذاب، مثل إيمان فرعون عند غرقه فهو لم ينفعه:
{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) } (سورة يونس 98)
ولعل الإستثناء لقوم يونس راجع إلى أن رسولهم تركهم وذهب مغاضباً ولم يكمل معهم حتى النهاية.
وبعد نجاة يونس عليه السلام أرسله الله إلى قرية أخرى وهنا قد تعلم من الدرس فوصل وحقق نتيجة لم يحققها رسول من قبل وهى إيمان كل أهل القرية به:
{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) } (سورة الصافات 147 - 148)
ويعرض لنا القرءان صورة أخرى لرسول أخر وهو أيوب عليه السلام وهى صورة مغايرة ليونس عليه السلام،
أيوب عليه السلام كان صابراً ولكن لم يستجب أحد لدعوته، حتى أهل بيته كفروا برسالته وهذا عذاب ما بعده عذاب، أنك تجد نفسك عاجز عن إقناع أهل بيتك وهم أقرب الأقربين،
وتعامل أيوب عليه السلام مع الأمر بحكمة وحنكة، فذهب شاكياً إلى الله، رب العمل المكلف به:
{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) } (سورة الأنبياء 83)
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) } (سورة ص 41)
أيوب عليه السلام وصل كذلك إلى حالة الإجهاد الشديد والإعياء النفسى ولكنه ظل متماسكاً ولم ينهار ولم يذهب مغاضباً، ذهب شاكياً.
عندما يتعرض الإنسان لضغط نفسى وعصبى فالحل له هو الشكوى، أن يخرج ما بداخله ولا يكبته لإن الكبت يؤدى إلى الأرق والإجهاد والإنهيار النفسى ويصاحبه أمراض عضوية لا يعرف الطبيب المعالج لها أسباباً عضوية.
يذكر عالم النفس فرويد فى كتابه علم النفس التحليلى أن طالبة فجأة بدون مقدمات أصبحت معرضة عن شرب الماء، وكان هذا فى عز الحر، ما أن ترفع الطالبة كوب الماء لبلغ فاها تدفعه بيدها بعيداً كأن فيه سم،
وفى أحد جلسات الإستماع عند الطبيب النفسى ذكرت هذه الفتاة قصة أنه قد زارتها فى غرفتها جارتها ومعها كلبها الصغير المقرف حسب تعبيرها وقد شرب هذا الكلب من كوب ماء كان موضوع على الطاولة ولأدبها لم تقل شيئاً لجارتها وهى لم تكن تحبها كذلك، وبعد أن قصة الفتاة هذه القصة وأخرجت ما فى داخلها من غضب على فعلة الكلب وعلى جارتها ، تناولت كوباً من الماء وشربت، هذا بعد أن ظلت اسابيع تعتمد على أكل البطيخ والبرتقال لتعوض نقص الماء فى جسمها.
هذا ليس له علاقة مباشرة بموضوعنا إلا تبيان كيف تكون الشكوى وإخراج ما فى داخلنا من ضيق نفسى عامل مهم وأساسى فى تجاوز مرحلة الإنهيار النفسى،
ونذكر قصة أخرى أوردها عالم النفس يونغ فى كتابه البنية النفسية عند الإنسان،
وهى عن حالة ضابط فى السابعة والعشرين من العمر، كان يشكو من نوبات قلبية حادة فى منطقة القلب ومن إحساس بالإختناق فى الحنجرة كما لو أن فيها ورماً ، كذلك كان يشكو من ألم شديد فى عقب رجله اليسرى، لم يكن شىء مما يشكو منه يرجع إلى أسباب عضوية، كانت النوبات بدأت تنتابه قبل حوالى شهرين وكان قد أعفى من الخدمة العسكرية بسبب عجزه الطارىء عن المشى، وكان قد جرب مختلف أنواع المعالجة لكنه لم يستفد شيئاً، ولم يقدم لنا الفحص الدقيق لتاريخ مرضه مفتاحاً نكشف فيه عن الأسباب، وهو نفسه لم يكن لديه فكرة عما عسى يكون سبب مرضه. وإتضح اثناء جلسة الإستماع أن الفتاة التى كان يحبها قد هجرته وفى حديثه إعتبر أن القصة برمتها لا علاقة لها بموضوع مرضه قائلاً فتاة غبية، إذا كانت لا تريدنى فما أيسر أن تتجه إلى شخص أخر، إن رجلا مثلى لا يقلقه شىء كهذا. تلكم هى الطريقة التى عالج به خيبته وحزنه العميق ( الهروب من المواجهة والكبت النفسى). لكن عواطفه الأن طفت على السطح وسرعان ما تلاشت آلام قلبه وزال الورم من حنجرته بعد بضع نوبات من البكاء" وأكتفى بهذا المقطع لأن تكملته لا تفيدنا هنا.
نريد أن نقول هنا أن الشكوى والبكاء مدعاة لإصلاح حالة الإنكسار النفسى التى تعترى الإنسان.
نرجع إلى أيوب عليه السلام الذى ذهب شاكياً إلى الله وهو قد بذل قصارى جهده إلا أنه لم يحقق النتيجة المرجاة منه،
كيف عالج الوحى الأمر؟
جاء النصح بتهدئة النفس :
{ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) } (سورة ص 42)
لتهدأ يا رسول الله ، إغتسل من هذا الماء البارد وإشرب منه شراباً بارداً ( لعله كان فى القيظ)،
أنت لم تخطىء وقد فعلت ما أمرت به ولم تقصر ، هكذا نتخيل جو الحوار، هنا الشكوى بسبب الإخفاق فى تحقيق النتيجة ، هذه الشكوى فى حد ذاتها راحة نفسية لأنك تخرج ما بداخلك من غضب وحتماً كانت شكوى مصحوبة بالبكاء. والمعالجة بالتهدئة وعدم إلقاء اللوم عليه وتناول الماء البارد شرباً وإغتسالاً كان مجدداً لطاقة النبى أيوب عليه السلام.
وحتماً أنه قد أمر أن يذهب مجدداً لأهله وقومه داعياً لهم بعد أن أصلح من نفسه المنكسرة،
وكانت رحمة الله به أن أمن به أهله ومثلهم فى العدد من قومه، وعلى قلتهم إلا أنها نتيجة تحقق الرضا النفسى:
{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) } (سورة الأنبياء 84)
{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) } (سورة ص 43)
.........................
كيف تعامل القرءان مع التنمير تجاه الرسول عليه السلام؟
لإرهاب الرسول نفسياً قالوا عنه ساحر مجنون:
{ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) } (سورة الذاريات 52)
القرءان يجيبهم بطرح تساؤلات وفى داخلها ما يدعو إليه الرسول وهو أن الله هو رب كل شىء وهو نعم المولى والوكيل ولا ملجأ منه إلا إليه وهو الرزاق ( له الأرض ومن فيها) :
{ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) } (سورة المؤمنون 84 - 90)
هذا ما جاء به الرسول، فأين السحر هنا؟
ويعطيهم القرءان صورة من الغيب، من العذاب الواقع بهم وهو ما جاء به الرسول النذير والبشير:
{ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) } (سورة الطور 14 - 16)
ويخصص القرءان لأحد الكبراء الذين إتهموا الرسول عليه السلام بالسحر أيات ما أعنفها ، تقول كتب التفاسير أنه من المشركين ولكننا لا نرجح ذلك، لأن شهادة أحد المشركين لا تستدعى هذا الرد القاسى، ما أدرى هذا المشرك بكلام الوحى؟! الذى يدرى هم من أهل الذكر، ممن أنزل عليهم الكتاب من قبل، من علماء بنى إسرائيل الذين كفروا بالقرءان :
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) } (سورة المدثر 11 - 30)
وهذه الردود كلها لتثبيت قلب الرسول عليه السلام،
ونأتى إلى إدعاء أخر وهو كذلك من الضغوط النفسية:
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } (سورة النحل 103)
وهذا الإدعاء دحضهه القرءان بسهولة، فكيف يعلم الأعجمى عربياً ليأتى بكلام بلسان عربي مبين!
وهذه الأية بالمناسبة تبطل خرافة نوفل إبن ورقة فى حياة الرسول، لأن نوفل الشخصية المفتراة كان عربياً، فكان من الأولى لهم أن ينسبوا تعليم الرسول إلى نوفل العربى ولكنهم لم يفعلوا لعدم وجود هذه الشخصية الخرافية .
ولقولهم " مجنون" جاءت العظة بالتفكر والتروى قبل إطلاق حكم، وتفكر الفرد وحده أو الإثنين أفضل من التفكر الجماعى الذى تضيع معه الحقيقة:
{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) } (سورة سبأ 46 - 50)
والقرءان يخاطب الرسول قائلاً أن ما يقولونه ليس بحديد فقد قاله من سبقهم:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) } (سورة الحجر 6 - 11)
ويرمونه عليه السلام بأنه إفتراه، وتأتى مجموعة اسئلة ، لا يملكون لها جواباً أو يملكون ولكنهم كاذبون:
{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) } (سورة الطور 33 - 43)
ونعرض بعض الأيات التى تطمن الرسول عليه السلام بأنه ما عليه إلا أن يتلو عليهم القرءان ولا يشغله إيمانهم أو كفرهم:
{ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) } (سورة النمل 92)
{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) } (سورة البقرة 272)
وحتى من يحب الرسول عليه السلام ويحرص على هداهم ، هو غير مسئول عنهم وغير مكلف بهدايتهم إن لم يهتدوا:
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) } (سورة القصص 56)
وهناك أيات تُذهب بالخوف عن قلب الرسول عليه السلام:
{ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) } (سورة غافر 51)
{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } (سورة الطور 48 - 49)
{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) } (سورة المائدة 67)
وكذلك من قصص الرسل السابقين يجد الرسول عليه السلام ما تقر به عينه ويطمئن قلبه:
{ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) } (سورة النمل 10)
{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) } (سورة طه 46)
إنى لا يخاف لدى المرسلون ........ هل هناك كلام أخر يقال!
لا أريد عرض جميع الأيات ، فليقرأ كل مع نفسه بنفسه ويتدبر فيجد الحكمة فى إنزال القرءان مفرقاً لتثبيت فؤاد الرسول عليه السلام حتى لا يكون عرضة لهذا الإرهاب النفسى من الذين كفروا
..........................................
هذا الكتاب لا ريب ، فلا رتابة فيه ولا ملل ولا يصيبه الإنهاك والتعب،
ذلك لأنه هدى للمتقين، وما كان هدى يصل بك إلى سبيل الرشاد ، فلا تضل ولا تشقى
قارىء وسامع القرءان لا يصيبه ملل لأنه لا رتابة فيما يقرأ ويسمع ، هو كمثل الصورة الحافلة بالألوان تتأمل دون كلل، صورة تعرض عليك من جميع الأبعاد ويأخذك إلى أعماقها لتفهم فحواها دون أدنى مجهود يذكر، صورة تضحكك وتبيك، صورة تجعلك متأملاَ متفكراً، صورة تأخذك إلى الماضى من حاضرك لترى المستقبل، إنه سور مصورة فى صحف منشرة، قد أفلح من وعاها وخاب من إستغشى ثيابه فعماها،
هذا القرءان أنزله العليم الحكيم، كمثل الماء النازل من السماء على الأرض الميتة فيحيها،
من يريد أن يشرب ماءً طهوراً فيتفح عقله كمن يفتح كفيه لماء السماء، ولا يكون مثل الذين قالوا على قلوبنا أكنة كأنهم حجر صفوان أصابه وابل فتركه صلداً،
إنه كتاب يهدى إلى الصراط المستقيم وربك على صراط مستقيم، فل تتخذ سبلاً من دونه كمن يجرى وراء سراب بقيعة يحسيه الظمآن ماء، فإن وجده تجد الله عنده فوفاك حسابك، ويقال لكم ذوقوا ما كنتم تعملون.
إنه قرءان يدعوك لتقوم وتتفكر مثنى وفرادى، ما كان حديث مفترى وما تنزلت به الشياطين وما هو قول البشر، وما هو سحر يؤثر ، إنه لقرءان كريم تنزيل رب العالمين،
ذلك الكتاب لا ريب ، فتجد أسلوب القرءان يصرف عنك الرتابة والملل ،
وهذا الإسلوب ليس إعتباطى ، هو للتنبيه ويخدم كذلك السياق،
نذكر مثال من الإنتقال من أسلوب الخطاب المباشر إلى التحدث بصيغة الغائب:
{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) } (سورة يونس 22)
بدأت الأية بالخطاب المباشر " حتى إذا كنتم فى الفلك" هنا يتخيل المخاطب نفسه فى الفلك، الأية تنقلك بخيالك إلى داخل الفلك وتقف بك حتى هنا ، أنت إذاً فى الفلك ، وبعدها تدعوك إلى التفكر فيما فعله الأخرون وما حاق بهم لتتعظ منهم :" وجرين بهم بريح طيبة ... وجاءهم الموج .... دعوا الله مخلصين له الدين ........ ألله أنجاهم إلا أنهم بدلوا الشكر بالبغى ، لم يشكروا الله وكفروا به فبغوا فى الأرض ، كأن الأية تقول لك وأنت فى الفلك عند نقطة البداية قبل أن تتحرك عليك أن تضع نصب عينيك ما نتج عن فعل الأخرين فلا تكن مثلهم ، الأية تعدك بالعظة الحسنة وضرب المثل بمن كفروا بأنعم الله لعلك تكون من المتقين ، لو إستمرت الأية فى أسلوب الخطاب فهذا يعنى أن الأية حكمت عليك حكماً مسبقاً لما قد تفعله وأنت فى الفلك وقد أحاطت بك الأمواج من كل مكان ، هى لم تفعل وأوصلتك فقط إلى داخل الفلك إلى نقطة الإنطلاق فإن فعلت مثلما فعله الأخرين سيقال لك بعد أن ترى العذاب الأليم " و ضربنا لكم الأمثال" " وكلا ضربنا له الأمثال وكلا وتبرنا تتبيراً".
مثال أخر،
إنتقال القرءان من أسلوب الخبر إلى اسلوب الأسئلة :
{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) } (سورة الواقعة 68 - 73)
{ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) } (سورة النمل 61 - 64)
وطرح الأسئلة يرغمك على التفكر لتجد إجابات لتلك الأسئلة ...
ومن أسلوب التلوين فى القرءان ضرب المثل فيعرض لك صورة معنوية فى شكل صورة حسية ليقرب لك المعنى أو ينقلك إلى فهم أعمق للصورة المعنوية: مثل للرياء وللبخل
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) } (سورة البقرة 264 - 267)
ومن التلوين كذلك قصص الأمم السابقة أو قصص الرسل السابقين فتجده يعرض لك فى كل سورة مشاهد مختلفة من القصة ، وكل مشهد مستقل بذاته عن المشاهد الأخرى فلا تجد نقص فيه ، إلا أن المشاهد الأخرى تزيدك إحاطة بالقصة من جوانب مختلفة أو تضيف إلى علمك معلومة جديدة،
نأخذ مثال قصة قوم لوط عليه السلام:
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) } (سورة الذاريات 31 - 37)
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) } (سورة الفيل 1 - 5)
{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) } (سورة الأَعراف 80 - 84)
{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) } (سورة النمل 54 - 58)
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175 } (سورة الشعراء 160 - 175)
{ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) } (سورة الحجر 58 - 77)
{ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) } (سورة هود 77 - 83)