وأية لهم أنا حملنا ذريتهم فى القلك المشحون
نقرأ الأية أولاً:
{ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) } (سورة يس 41 - 43)
قالت التفاسير أن الفلك هى سفينة نوح وهذا لا غبار عليه، ولكن قولهم أن ذريتهم تعنى أباءهم فهذا يخالف لسان القرءان وحتى لسان عامة الناس ، لأن الذرية لا تعنى غير الذرية وقول من قال أنها من الأضداد لا دليل عليه ولا يكون إلا إذا قلنا أن الأباء كانوا ذرية قوم أخرين وعليه فهم ذرية وأباء فى نفس الوقت وهنا يمكن القول أن الذرية تعنى كذلك الأباء على إعتبار ما سيصبح وندور فى حلقة مفرغة لا تنتهى.
ومن قال أن الأباء هم ذرية لأنهم يذرون النسل فهذا يخالف الصرف والمنطق لأن الذرية هى ما يتم ذره فهى مفعولة وليست فاعلة.
سأنتقل إلى الأية التالية ونعود ، فى " خلقنا لهم من مثله" رأى يقول أنها الأنعام وأخر يقول أنها السفن الصغيرة وصاحب الرأى الثانى إضطر لقوله السفن الصغيرة لأنه يفهم الفلك فى الأية الأولى على أنها فلك نوح عليه السلام وهذه وفقاً مفهومه كانت كبيرة وتسع كثير من الخلق ، وربما يكون صاحب هذا الرأى محق فى شيئاً واحد وهو أنه علل قوله بأن الغرق لا يكون إلا فى البحر وهذا ينفهى من وجهة نظره أن تكون المقصودة هى الأنعام أو الإبل.
وصاحب قول الإبل أو الأنعام لم تذكر التفاسير حجته وإن كنت أحسبه قد فهم الفعل " خلقنا لهم" فهماً صحيحاً لأن الأنعام من خلق الله، بينما السفن صغيرة أو كبيرة فهى من صنع الإنسان.
كأن صحاب رأى الإبل أصاب فى حجته لفعل الخلق وصاحب رأى السفن الصغيرة أصاب كذلك فى حجته لفعل الغرق، تأمل هذا جيداً.
عندنا إذاً حجتين، الأولى هى أن مثل الفلك هذه هى من خلق الله وليست من خلق الإنسان أو صنعه، الثانية أنها تغرق فى البحر أو لاتغرق إن شاء الله فهى متواجدة دوماً فى البحر أو ركوبها لا يكون إلا فى البحر.
هذه الأية قد بحثتها من قبل وإنتهيت إلى أن الفلك التى تحمل فيها الذرية هى السائل المنوى الذى يحمل الحيوانات المنوية ، وأحببت هذه المرة أن أراجع كل ما قالته التفاسير فوجدت قولاً فى تفسير النكت والعيون ( النكت نستعملها اليوم تحت مفهوم يخالف فهمها القديم والذى كان يعنى لفتة أو لمحة أو لطيفة أو فائدة) ، ذكر صاحب تفسير النكت والعيون رأياً نسبه إلى الإمام على إبن أبى طالب وهو تفرد فى ذلك ولا أعلم مصدره فى أخذ هذه المعلومة ، فيقول على إبن أبى طالب رحمه الله أن الفلك هى بطون النساء أو رحم المرأة.
وأنا أقف كثراً عند رأى الإمام على إبن أبى طالب ...
كلمة فلك تحمل معنى الإستدارة وقد ذكرت المعاجم موج البحر المضطرب أو الماء الذى حركته الريح وحركة موج البحر فيها إستدارة وهذا علة وصف أو تسمية موج البحر بالفلك ،
عندما قلت أن الفلك هى السائل المنوى فأنا ربطتها بالأية التالية وما جاء فيها من الغرق لأننى رأيت مقارنة بين حالين ، حال هذه الحيوانات المنوية التى تغرق هى الأخرى فلا ينجو منها إلا واحد أو أكثر بقليل وحالة غرق من يركبون البحر فهم بين ناج وغريق.
وقول الإمام على أظنه إستند إلى الإستدارة فى بطن المرأة فقال أن الفلك هى بطون النساء،
الأية التالية قالت " من مثله" ، فى أى شىء يكون التماثل هنا؟
مثله فى القرءان تعنى الإشتراك فى البعض وليس كل الأشياء ،
كمثال خلق سيع سموات وهى السموات العلى ومثلها من الأرض سبع سموات دنيا وهى ما نعرفه بطبقات الجو والمثلية هنا فى أنها سبع وأنها طباقاً ، طبقات فوق بعضها البعض:
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } (سورة الطَّلَاق 12)
لن أذكر كل الأيات وإن ذكرت أية أخرى :
{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) } (سورة الزمر 47)
فى هذه الية قد يكون مثل ما فى الأرض هو ما يعادل نفس القيمة أو الحجم ولكنه ليس صورة طبق الأصل منها.
{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) } (سورة النساء 140)
أنتم إذا مثلهم فى الإستهزاء بأيات الله أو الكفر بها.
أريد أن أقول أن " خلقنا لهم من مثله" قد تعنى مثله فى الإستدارة أو فى كون هذا سائل وهذا سائل ، وأننى أخالف ما رأيته من قبل فى أن الفلك هى السائل المنوى وإتفق مع قول الإمام على،
وسبب ذلك هو بُعد كون المثل هو حالة السيولة لأنها ليست ظاهرة للعيان، والسبب الأخر أن الإستدارة لا تصلح لوصف السائل المنوى لأننا لا نرى حركته داخل الرحم بالعين المجردة والأية تخاطب ما يراه الناس أمام أعينهم، من هم داخل المعمل ومن هم فى خارجه.
ولهذا نقول بأن " أية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون" نفهمها على أنا حملنا ذريتهم فى رحم المرأة ، وهو مشحون لإمتلاءه بهذا الجنين أو تلك الذرية.
نرجع إلى الية التالية ولا ننسى الحجتين ، أنها من خلق الله وأنها تركب فى البحر ومن يركبها قد يغرق أو ينجو ، ونرجع كذلك إلى ما قاله المعجم فى معنى الإستدارة ونقول أن " من مثلها" تعنى أمواج البحر لإستدارتها الحادث بفعل الرياح وهذه يركبها الإنسان ، نعم هو داخل زورقه أو سفينته إلا أنه يركب الأمواج التى تسيره .
الأيات التى جاءت فيها الفلك تحتاج إلى مراجعة ،
فعندما تقرأ الأية التالية فإعلم أن الفلك فيها هو أمواج البحر لأن الله سخرها لنا ، مثلها مثل الإبل ، هنا المثلية فى التسخير:
{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) } (سورة إِبراهيم 32)
وعندما تقرأ الأية التالية:
{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) } (سورة النحل 14)
فإعلم كذلك أن الفلك المواخر فى الأية هى الأمواج، وسأنقل لك ما جاء فى لسان العرب فى معنى مواخر : "وقيل: المواخر التي تراها مُقْبِلةً ومُدْبِرةً بريح واحدة، وقيل: هي التي تسمع صوت جريها، وقيل: هي التي تشق الماء، وقال الفراء في قوله تعالى مواخر: هو صوت جري الفلك بالرياح" ، وهذا الوصف ينطبق بلا مماراة على الموج
{ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) } (سورة الإسراء 66 - 67)
والفلك فى الأية كذلك هى الموج ، وقارن بين زجى الموج وزجى السحاب ، هذا وذاك يكون بالريح وهو من فعل الله وصنعه:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) } (سورة النور 43)
فى ألأية التالية يمكنك القول أن الفلك هى السفينة:
{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) } (سورة العنْكبوت 65)
ونختم بهذه الأية التى فرقت بين الفلك والأنعام وهذا يرد رأى من قال أن خلقنا من مثله تعنى الأنعام وإن كنا لا نحتاج بعد ما ذكرنا حجة لذلك:
{ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) } (سورة الزخرف 12)
لاحظ جيداً : جعل لكم من" ، وليس " جعلها ركوباً لكم أو مركب، لأننا لا نركب كل الأنعام ، فنحن نركب الناقة ولا نركب النعجة ، نركب البغال ولا نركب السخلان ،
وهكذا من الفلك ، فأنت تركب أمواج البحر ، فالرمال المستديرة فلك وغيرها من خلق الله
وختاماً نقول أن منهج الفهم هذا يعتمد على الإستقراء والتحليل ....... وهذا ما أتبعه ، ولله الحمد من قبل ومن بعد ..