إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 8 أكتوبر 2016

جبل أرارات ... الجودى ؟

وإستوت على الجودى ....
إما أن يكون الجودى هو ماء البحر وهو جودى لكثرة عطاءه،
أو يكون الجودى ما تجمع من ماء السماء وماء العيون،
يمكن تخيل ما حدث ، أنه فى بادىء الأمر كانت تسير بهم فى موج كالجبال،
وبعد أن جاء أمر ربك بإقلاع السماء وذلك بتوقفها عن إنزال الماء وإبتلاع الأرض لماءها، ما حدث هنا هو غيضان للماء بنقصانه مما أتاح إستواء السفينة على هذا الماء المتجمع.
وليس هذا بدعاً من القول ، فقد ذكر لسان العرب : وقيل: الجود من المطر الذي لا مطر فوقه البتة."
معنى كلام المعجم أنه تجمع لماء المطر بعد توقف هطول الأمطار.
ترتيب الأحداث فى الأية يوحى بهذا المفهوم:
{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) } (سورة هود 44)
ونفسر به الهبوط فى الأية التالية بسلام:
{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) } (سورة هود 48)
وإن كان الحديث عن نوح ومن معه إلا أنه يوحى بهبوط السفينة من هذا العلو حيث سارت بهم فى موج كالجبال إلى الهبوط لإسفل بسلام والماء يحملها.
وحديثهم عن جبل ما هو إلا قصص يهودى لا أصل له ويخالف حتى قصتهم برمتها لأنه وفقهم قد حمل نوح معه من كل الدواب إثنين حتى الثعابين ، والسؤال لمن يعقل كيف نزل الشيوخ والعجائز والأطفال من جبلهم الشاهق هذا ، بل وكيف نزلت الأبقار والجمال وخلافه ،
ما أخذه نوح عليه السلام معه هو الأزواج التى لا غنى للإنسان عنها وتجدها فى الأية التالية:
{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) } (سورة الأَنعام 143 - 144)

إبليس والنفس

قال فإنك من المنظرين إلى وقت اليوم المعلوم ......
خلق الإنسان كان من طين ، وهذا يتناول فقط خلق الجسد،
إبليس قال : أنا خير منه، خلقتنى من نار وخلقته من طين ..
الخلق من طين إنتهى إلى جسد الإنسان بما فيه من عظام ولحم وأحشاء ودم وخلافه ، فماذا أصبح إبليس فى النهاية؟ هو قال أنه خُلِق من نار والنار لها دخان، الدخان هذا من مكونات النار أو ناتج عنها فلا دخان بلا نار.
الفعل " بلس" مفعوله هو " مبلس":
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) } (سورة الأَنعام 44)
وهذا البلس كأنك أدخلت شيئاً فى زجاجة وبعده يتسحيل خروجه منها، يحدث إنبثاق بالباء يؤدى إلى الإمتلاء وهذا يتم بعملية التنفيس أو النفخ بالساء وهو تنفيس متواصل باللام إلى أن ينتهى.
فى حالة من جاءهم العذاب بغتة كأنهم فى حالة لا حراك ولا كلام ووجوم كامل من المفاجئة.
الفجأة أدخلتهم فى هذا الشأن،
إبليس هنا هو فاعل البلس وليس مفعولاً به ، هو الذى بلس بنفسه،
عندمل نقرأ الأيات بعد رفضه السجود نجد أنه لا عقاب له إلا أن يخرج منها :
{ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) } (سورة ص 77 - 81)
وتم إرجاء الأمر إلى يوم الوقت المعلوم ، بمعنى أن إبليس لم يخرج منها إلى يومنا هذا، مازال فيها إلى يوم الوقت المعلوم.
أنت قرأت من القصص اليوهدى أنه أخرج من الجنة ودخل إليها خلسة فى صورة حية لإغواء ءادم وهذا كله خرافات ينفيها القرءان جملةً وتفصيلاً ، لأن القصص الحق قال أن لم يخرج منها أو يهبط وتم إنظاره إلى يوم يبعثون.
أنا لم أشهد خلق إبليس ولا خلق الإنسان ، أحاول فقط أن أفهم فى حدود الأيات المتاحة وفى حدود ما يستوعبه عقلى ولعله يصيب أو قد يخطىء ....
إستوقفنى كثيراً معنى كلمة الزكاة وتزكية النفس، فقرأت الأية الكريمة:
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) } (سورة الشمس 7 - 10)
وسألت كيف يكون من دساها هو المخطىء ومن زكاها هو المصيب؟
النفس الإنسانية نارية فى مقابل الجسد الذى يحمل مكونات الطبيعة الأربعة ( التراب والماء والهواء والنار) ، وهذه النارية هى شهوانية بفطرتها لأنها تلتهم كل شىء ولا حدود لشهوانيتها،
فكيف يكون تزكية النار الذى تزداد معه إشتعالها هو طريق الصواب؟
كنافخ الكير من ينفخ فى النار فيزكيها، التزكية تتم بالزاى التى تسرع وتنشط من النار وهذا يؤدى إلى تجمعها بالكاف ، النار وهى فى حالة كمون أو حتى مجرد بصيص يربو فوق الرماد تكون مفعمة بالدخان ، وتزكيتها يصل بها إلى أن تكون نار خالصة لا دخان فيها ، هو صفاء النار وتنقيتها من الدخان غذاً هو المطلوب أن نفعله.
النفس حاملة فى داخلها لعنصر التقوى وعنصر الفجور فى ذات الوقت، فجورها هو دخانها وتقواها هو نارها ، من سيغلب الأخر؟
بدأت أفهم هنا لماذا خاب من دساها، لأن خيبته أتت لضعف النار وإزدياد الدخان ، اصبحت نفسه كامنة تحت الرماد ولا ترى إلا ألسنة الدخان تتصاعد فى السماء. هذا هو دسها.
نرجع إلى إبليس الذى لم يخرج منها ولم يتم إخراجه وإنظاره إلى يوم يبعثون، أين هو الأن؟
هو وفقاً لما فهمته، هو الدخان الذى بلس فى نفس الإنسان ولن يفارقه إلا عند الموت ويوم البعث ستكون أنفس مطهرة لمن زكاها فى حياته الدنبا ، لا دخان فيها، هنا فقط سيخرج منها ويتم إستبعاده:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) } (سورة النساء 57)
إبليس لأنه هذا الدخان الذى بلس فى النفس الإنسانية ، وهذا هو الإختبار ! إختبار من زكاها أو دساها، من فعًل تقواها ومن فعًل فجورها ......
تعالى أخبرك من هم المؤمنون حقاً، لا كذباً ونفاقاً :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) } (سورة الأَنْفال 2 - 4)

موسى والرجل الصالح

وجهة نظر في قضية موسى والرجل الذي اتاه من لدنه [ رحمة وعلما ]!!! 

نقلاً عن غاب غنيم الكاتب مجهول!
عندما تكلم القدر..
لعل أحد أكثر الأسئلة التي تدور في أذهان الشباب المسلم خاصة.. هو ما يعرف فلسفيا باسم سؤال الشر.. وهو بكل بساطة.. لماذا خلق الله الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟ لماذا يموت الأطفال في سورية؟ لماذا يموت الأطفال جوعا في افريقيا؟ أليس الله هو الرحمن الرحيم؟ فكيف يمتلئ الكون بكل هذه المآسي؟ وتتبعه طبعا أسئلة فردية تتعلق بالعدل السماوي مثل.. لماذا تزوج الجميع ولم أتزوج أنا؟ لماذا يمتلك بعض الناس كل شيء, ولا يمتلك بعض الناس أي شيء؟ لماذا خلقتني دميمة؟ لماذا أنا قصير؟ ما الحكمة من كوني فقيرا مدقعا؟ لماذا لا أنجب أطفالا كغيري؟ أين هذا العدل الذي تتحدث عنه يا الله أين ؟ تعبنا.. تعبنا .. تعبنا..
طبعا سيكون من الرائع لو تمكننا من الجلوس مع الله عز وجل وسؤاله عن كل تلك المتناقضات التي ترهق أرواحنا.. ومع أن هذا يبدو مستحيلا الآن.. إلا أن هذا الحوار العظيم فعليا قد حدث.. قبل ثلاثة وثلاثين قرنا من الآن.. ونقل لنا كاملا.. لكن قبل شرح هذا الحوار.. دعونا نتحدث قليلا عن خلفية صاحب هذا الحوار.. نبي الله موسى.. والخلفية عن هذا النبي مهمة جدا حتى لا تقول لنفسك موسى نبي وأنا بشر.. بل ستكتشف أنه أحد أكثر الأنبياء بشرية إن جاز التعبير.. وانه أفضل نبي من الممكن ان تضع نفسك في مقارنة معه.. واليك ذلك..
إذا استعرض المسلم العادي سيرة الأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم, عليهم جميعا أتم الصلاة والتسليم.. فسيلاحظ ببساطة أن كل واحد منهم تقريبا كان يمتلك ميزة فوق بشرية تميزه عما سواه.. وبالتالي, فمن الصعب أن يجد المسلم نفسه في واحد منهم.. فنحن لا نمتلك صبر أيوب مثلا.. ولا ملك سليمان.. ولا جمال يوسف وعفته.. كما أن الطمأنينة التي كانت لدى إبراهيم بعيدة تماما عن القلق الذي نشعر به.. وبالطبع أخلاق محمد العالية ليست في المتناول.. النبي الوحيد الذي يشبهنا إلى حد كبير ولم يكن يمتلك أي صفة فوق بشرية, هو موسى الكليم عليه السلام..
مأساة النبي موسى الأساسية كانت في داخله.. كان ككثيرمن البشر مثلنا يعجز عن التعبير عما في دواخل نفسه.. يعتريه القلق والضيق ويتعلثم متى أراد الكلام.. (ويضيق صدري ولا ينطلق لساني).. بل نذهب أبعد من ذلك لنقول أن موسى كان دائما مسكونا بقلق وخوف داخليين لازماه طوال حياته تقريبا.. وكان مثلنا أيضا.. يرتكب أفعالا في سورة غضبه يندم عليها لاحقا.. (فوكزه موسى فقضى عليه).. ارتكب جريمة قتل.. وهرب.. وحتى بعد نبوته وكلامه مع الله.. القلق كان لا يزال يعتريه.. لدرجة أنه حطم ألواح التوراة التي أعطاها الله له (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه).. تخيل هذا المشهد., نبي يحطم ألواح الكتاب المقدس ويشد رأس أخيه إليه.. قمة في البشرية.. قمة في الضعف الإنساني والغضب البشري الطبيعي.. نبي بشري تماما.. وطبعا الشواهد عن بشرية موسى كثيرة جدا لمن أراد البحث.. لكن نكتفي بهذا للاختصار ولتقتنع عزيزي القارئ كم كان موسى الكليم يشبهنا ونشبهه..
المهم أن نبي الله موسى.. كان لديه كما لدينا الكثير من الأسئلة الفلسفية.. ليس أقلها رؤية الله (رب أرني أنظر إليك.. ) لكن الأهم على ما يبدو وموضوع مقالنا اليوم هو عندما سأل موسى ربه عن القدر.. وكيف يعمل.. وهي بالذات عين أسئلتنا اليوم.. فطلب منه الله عز وجل أن يلاقي الخضر عليه السلام.. والحقيقة التي يجب أن تذكر هنا.. أن الأدبيات الإسلامية تسطح مفهوم الخضر وتختزله في صفة ولي من أولياء الله.. في حين أنه الحقيقة أن الخضر عليه السلام يمثل القدر نفسه.. يمثل يد الله التي تغير أقدار الناس.. والجميل أن هذا القدر يتكلم.. لذلك نحن الآن سنقرأ حوارا بين نبي بشري مثلنا تماما.. لديه نفس أسئلتنا.. وبين قدر الله المتكلم.. ولنقرأ هذا الحوار من زاوية جديدة..
أول جزء في الحوار كان وصف هذا القدر المتكلم .. آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما.. أي أنه قدر رحيم وعليم.. وهذا أصل مهم جدا.. ثم يقول البشري موسى.. "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا".. يرد القدر "إنك لن تستطيع معي صبرا.. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.. " جواب جوهري جدا.. فهم أقدار الله فوق إمكانيات عقلك البشري.. ولن تصبر على التناقضات التي تراها.. يرد البشري موسى بكل فضول البشر "ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا".. يرد القدر "فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا".. يمضي الرجلان.. يركبا في قارب لمساكين يعملون في البحر.. يقوم الخضر بخرق القارب.. وواضح تماما أن أصحاب المركب عانوا كثيرا من فعلة الخضر.. لأن موسى تساءل بقوة عن هذا الشر كما نتساءل نحن.. "أخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا".. عتاب للقدر تماما كما نعاتب الله.. أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس؟ أفصلتني من عملي كي أصبح فقيرا؟ نفس الأسئلة.. يسكت الخضر ويمضي.. طبعا الشاهد الأساسي هنا أن أصحاب المركب عانوا أشد المعاناة.. وكادوا أن يغرقوا.. وتعطلت مصلحتهم وباب رزقهم.. لكن ما لبثوا أن عرفوا بعد ذهاب الخضر ومجىء الملك الظالم أن خرق القارب كان شرا مفيدا لهم.. لأن الملك لم يأخذ القارب غصبا..
نكمل.. موسى لا زال في حيرته.. لكنه يسير مع الرجل (القدر) الذي يؤكد لموسى.. "ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا؟" ألم أقل لك يا إنسان أنك أقل من أن تفهم الأقدار.. يمضي الرجلان.. يقوم الخضر الذي وصفناه بالرحيم العليم بقتل الغلام.. ويمضي.. فيجن جنون موسى.. ويعاتب بلهجة أشد.. "أقتلت نفسا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا".. تحول من إمرا إلى نكرا.. نفس حواراتنا عندما نقول أن أقدار الله ظالمة ومنكرة.. والكلام صادر عن نبي أوحي إليه.. لكنه مثلنا.. ويعيش نفس حيرتنا.. يؤكد له الخضر مرة أخرى "ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا".. طبعا هنا أصل مهم.. أننا كمسلمون قرأنا القرآن ننظر إلى الصورة من فوق.. فنحن نعرف أن الخضر فعل ذلك لأن هذا الغلام كان سيكون سيئا مع أمه وأبيه.. "وكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا".. والسؤال.. هل عرفت أم الفتى بذلك؟ هل أخبرها الخضر؟ الجواب لا.. بالتأكيد قلبها انفطر وأمضت الليالي الطويلة حزنا على هذا الفتى الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله ويمضي.. وبالتأكيد.. هي لم تستطع أبدا أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول.. وأن الأول كان سيكون سيئا.. فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم.. ولم تستطع تفسيره أبدا..
نكمل.. يصل موسى والخضر إلى القرية.. فيبني الجدار ليحمي كنز اليتامى.. هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم؟ لا.. هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه؟ لا.. هل شاهدوا لطف الله الخفي.. الجواب قطعا لا.. هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟ لا.. ثم مضى الخضر.. القدر المتكلم.. بعد أن شرح لموسى ولنا جميعا كيف يعمل القدر والذي يمكن تلخيصه ببساطة كالآتي..
الشر شيء نسبي.. ومفهوم الشر عندنا كبشر مفهوم قاصر.. لأننا لا نرى الصورة كاملة.. فما بدا شرا لأصحاب المركب.. اتضح أنه خير لهم.. وهذا أول نوع من القدر.. شر تراه فتحسبه شرا.. فيكشف الله لك أنه كان خيرا.. وهذا نراه كثيرا.. النوع الثاني مثل قتل الغلام.. شر تراه فتحسبه شرا.. لكنه في الحقيقة خير.. ولا يكشف الله لك ذلك.. فتعيش عمرك وأنت تعتقد أنه شر.. مثل قتل الغلام.. لم تعرف أمه أبدا لم قتل.. النوع الثالث وهو الأهم.. هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري.. لطف الله الخفي.. الخير الذي يسوقه إليك.. مثل بناء الجدار لأيتام الرجل الصالح..
فالخلاصة إذن.. أننا يجب أن نقتنع بكلمة الخضر الأولى "إنك لن تستطيع معي صبرا" لن تستطيع يا ابن آدم أن تفهم أقدار الله.. الصورة أكبر من عقلك.. قد تعيش وتموت وأنت تعتقد أن الله ظلمك في جزئية معينة.. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما.. الله قد حماك منها.. مثال بسيط.. أنت ذو بنية ضعيفة.. وتقول أن الله حرمني من الجسد القوي.. أليس من الممكن أن شخصيتك متسلطة.. ولو كنت منحت القوة لكنت افتريت على الناس؟ حرمك الله المال.. أليس من الممكن أن تكون من الذين يفتنون بالمال وكان نهايتك ستكون وخيمة؟ حرمك الله الجمال.. أليس من الممكن انك ذات شخصية استعراضية.. ولو كان منحك الله هذا الجمال لكان أكبر فتنة لك؟ لماذا دائما ننظر للجانب الإيجابي للأشياء؟ ونقول حرمنا الله ليؤذينا.. نحن أصغر بكثير من أن يفكر جل وعلا في أذيتنا.. إنما كل ذلك لمصلحتنا.. لكننا لا نعي ذلك.. تماما كما لم تعه أم الغلام..
استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما.. وقل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله.. لكنني متسق مع ذاتي ومتصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها.. لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا.. إذا وصلت لهذه المرحلة.. ستصل لأعلى مراحل الإيمان.. الطمأنينة.. وهذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله.. خيرا بدت أم شرا.. ويحمد الله في كل حال.. حينها فقط.. سينطبق عليك كلام الله.. يا أيتها النفس المطمئنة.. حتى يقول.. وأدخلي جنتي.. ولاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حسابا ولا عذابا..

هل ندعوه سبحانه وتعالى حقاً؟

هل ندعوه سبحانه وتعالى حقاً؟
زكريا عليه السلام عندما بلغه الكبر دعا الله أن يأتيه ذرية صالحة،
وطبيعى ومنطقى أنه قد دعاه وهو فى مرحلة الشباب، فلا نظن أنه أراد الولد فى الكبر وكان معرضاً عنه فى الفتوة والقوة.
وهنا علينا أن نتوقف عند إجابة الدعاء فى هذا الوقت ولماذا وفقاً لما فهمته،
فى البداية كان أنه دخل على مريم فوجد عندها رزقاً، لاحظ أن زكلايا عليه السلام هو من يكفله، يعنى أنه يعلم كل شىء عنها ويعلم أن هذا الرزق لم يأتى عن طريقه هو أو ممن تحت إمرته.
إجابة مريم عليها السلام كانت هى الفاصلة بقولها " هو من عند الله وأنه يرزق من يشاء بغير حساب"
زكريا عليه السلام من الأنبياء وهو مؤمن بالله ويدعو إليه وقلنا أنه دعا الله حتماً من قبل ولم يجب الله الدعاء ..... وهنا نحاول البحث عن العلة فى حدود ما أخبرنا به القرءان وفى طاقة فهمنا ....
توقيت الدعاء فى الكبر كان بالغ الأهمية لأنه أتى فى لحظة بلغ فيها زكريا عليه السلام درجة اليقين أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، قد تسأله ألم يبلغها من قبل؟
هذا علمه عند الله ، ولكن معطيات الحدث هنا تدفعنا إلى فهم ذلك ، نتأمل الدعاء:
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) } (سورة مريم 4 - 6)
مقدمة الدعاء توحى تحمل معانى كثرة ، أنه وهن منه العظم وإشتعل الرأس شيباً ، هذه المقدمة ربطها زكريا عليه السلام بمسألة أن الله يرزق بغير حساب ومن يرزق بغير حساب لن يحاسبه على كبر سنه وسيرزقه حتماً الولد ، هنا تتمثل أمامك قناعة زكريا عليه السلام بعد يقينه من قدرة الله أن وهن العظم لن يحول بين الله وبين رزقه إياه الولد،
وإنى خفت الموالى من ورائى : هنا يعرض زكريا عليه السلام سبب الدعاء وحجته ويعلم الله الذى يعلم السر وأخفى صدقه أو كذبه، وهو من الصادقين
يرثنى ويرث من ءال يعقوب: سبباً أخر وهو خوفه على إنقطاع النبوة من نسل يعقوب عليه السلام
وكانت إمرأتى عاقر: تأخرت فى طلب الدعاء وسبقها مسألة الموالى الذى يخشى أن يحدثوا فى الدين من بعد موته وسابق لها كبره فى العمر ، هو هنا يعرض على الله مشكلة أخرى وهى كون إمرأته عاقر ، وعلة ذلك أنه عليه السلام أراد الولد من رفيقة العمر ويرفض أن يتزوج بأخرى غير عاقر وإلا تزوج عليها وهو فى فتوته. هو هنا يتمسك بزوجه كأنه يقول لرب العالمين هذا الولد الذى أدعوك أن ترزقنى إياه أريده أن يكون منى ومن زوجتى.
صدق لحظة الدعاء وصدق الحجة وكونها حجة تسعى إلى الخير فقد إستجاب الله له وأصلح له زوجه وكان يحيى ولداً له ونبياً من الصالحين.
عامل التوقيت فى الدعاء وصدقنا فى قدرة الله ، هذا مهم لأن أكثر الناس تدعو الله وعندها شك فى الإجابة ومن يشك فلن يصل ما يدعو إليه. والعامل الأخر هو ما ندعو إليه ولماذا وصدقنا فى ذلك، والعامل الثالث أنك تعلم أن من تدعوه ليس أصم أو ثقيل السمع ، دعاء زكريا كان خفيا والله ينهانا عن الجهر بالدعاء لأنه من الإعتداء ، تأمل:
{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) } (سورة الأَعراف 55)

أرى فى المنام أنى اذبحك

أرى فى المنام أنى اذبحك ....
يقول إبن عربى فى كتابه فصوص الحكم أن تأويل الرؤيا هو قتل الطفل فى داخله،
وإبن عربى وغيره من المتصوفة أساتذة ما نسميه التفسير الباطنى للقرءان وهذا التفسير يتجاوز الحروف والمفردات إلى ما وراء المعنى ، والأحرى أن نقول هو تأويل الظاهر إلى الذى هو عندهم لا يعبر عن الحقيقة إلى ما يظنوه عين الحقيقة ، هو على غرار تأويل سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، ظاهر القول أنك ترى سبع بقرات حقيقية إلتصق جلدها على عظمها وهى تلتهم أُخر سمينة مكتنزة اللحم ، وباطن هذه الصورة هو سبع سنين وافرة المحصول يأتى بعدها سبع أخر من الكساد.
ولكن أصحاب هذا النهج فى التفسير غاب عنهم شيئاً مهم وهو أن تأويل الظاهر إلى معنى باطن لا يجوز إلا إذا كان المعنى الظاهر يخالف التصور والعقل والمنطق ، فأنت لا يمكنك تصور بقرة نحيلة تأكل أخرى سمينة عفية ، ليس لمسألة النحافة والفتوة وحسب ولكن لأنه كذلك لا يأكل البقر بعضه البعض.
كما أنه عندما نتأمل رؤيا يوسف عليه السلام فإنه يستحيل عليه تصور أن هذه الشمس التى نراها فى السماء والقمر وإثنى عشر كوكباً تسجد أمام يوسف، لهذا وجب علينا هنا أن نتأول المعنى أو الصورة لنكون فكرة تعبر عن واقع منطقى يمكن حدوثه.
ولكن إبن عربى أصاب هنا فى قصة إبراهيم عليه السلام وذبحه لإبنه، لأننا هنا أمام رؤيا منامية ظاهرها أن إبراهيم عليه السلام يذبح إبنه وهذا بأمر من الله،
إبراهيم عليه السلام لم يتأول الرؤيا وأخذها على ظاهرها وأراد أن ينفذها بالحرف كما تقول ...
يقول إبن عربى أن إبراهيم عليه السلام صدق الرؤيا ولم يصدق فيها لأن القرءان لو قال أنه صدق فيها لكان معنى ذلك أن الرؤيا كانت تأمره حقيقةً بذبح إبنه ، هو هنا يفرق بين صدقت الرؤيا وبين صدقت فى الرؤيا،
وإبن عربى أصاب فى ذلك وإن أخطأ فى حرف الجر، لأن حرف الجر لزماً أن يكون الباء وليس "فى"،
وأنت تقرأ أخر سورة التحريم تجد أن مريم عليها السلام قد صدقت بكلمات ربها ، والتصديق ب يعنى العمل بهذه الكلمات وتنفيذها :
{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) } (سورة التحريم 12)
هناك من يجيىء بالصدق و يصدق (ب)ه ... ، وتصديقه به يعنى عمله له:
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) } (سورة الزمر 33)
ولهذا كانت مريم عليها السلام صديقة ، هى صديقة ليس لأنها صدقت كلمات ربها أو صدقت رسول ربها إليها وحسب ولكن هى صديقة لأنها فعلت ( بتشديد العين) ونفذت ما تقوله الرسالة أو الكلمات.
وصفت صديق يحملها إبراهيم عليه السلام وإدريس وقد جاءت ليوسف عليه السلام ولكنه كانت على لسان صاحبى السجن ، ولا شك أن جميع الرسل والنبيين يصدقون بكلمات ربهم ، ولكن هذه الصفة فى إستعمال القرءان تعنى حصراً من صدقوا أمراً خارق للعادة أو متعلق برؤيا.
نرجع إلى أية ذبح الغلام ونقول مع إبن عربى أن إبراهيم عليه السلام كان عليه أن يتأول الرؤيا وتأويلها هو ذبح الطفل الذى فى داخلها والمعنى هو تعلقه بطفله الصغير الذى إنشغل به عن الرسالة أو مهمته كرسول، وهذه الرؤيا كانت بلاء عظيم له كما وصفها القرءان.

خطاب غير العاقل فى القرءان

يا سماء أقلعى .......... ويا أرض أبلعى ماءك
هل السماء والأرض تعقل؟ حتى يُنادى عليها؟
عندما تحاول أن تدير سيارتك فتزمجر ، فماذا أنت فاعل؟
هذه الزمجرة الصادرة من السيارة توحى إليك إما أنه ينقصها بنزين أو عِلة فى دائرة الكهرباء متمثلة فى البيجوهات أو غيرها،
لنقل العلة فى البنزين ، فتملآ خزانها بالبنزين وتعاود الكرة مرة أخرى محاولاً أن تديرها، فإذا هى تدور ..
هل للسيارة عقل أدركت به أنه هناك بنزين أو طاقة تساعدها على أن تدور؟ إن كانت السيارة لا تعقل فلن يفرق معها إن كان فيها بنزين أو لم يكن ! كيف عقلت السيارة حالة إنعدام البنزين وحالة تواجد البنزين؟
عندما يبلغ منك الجوع مبلغه فأنت تسمع زمجرة معدتك فتدرك معها أن بحاجة إلى الطعام، ولكن
ولكنك لم تدرك أو تشعر بمقدمات الزمجرة، ما وصل إليك أو إلى إحساسك هو نهاية الفعل بدون مقدماته ، أو بمعنى أدق أنه هناك مراحل سبقت الزمجرة وقرصة الجوع التى شعرت بها وأنت عنها غائب تماماً ...
هذا الجوع يصيبك بالإجهاد وتقل معه حركتك أو مجهودك وما إن تأكل تعاود إليك قوتك وتبدأ الحرك نشيطاً ..
أنت هنا فى حالت جوعك لا تختلف عن السيارة إلا فى شىء واحد وهو الإرادة،
السيارة لا تستطيع أن تذهب بنفسها لتشرب البنزين ولكنك بإرادتك ذهبت فأحضرت طعاماً ،
أنت فى جوعك وشبعك ومرضك وشفاك مبرمج مثلك مثل السيارة هذه ،
وما من شىء إلا ويسبح بحمد رب العالمين ، وهذا التسبيح لا علاقة له بالكفر والإيمان أو الكره والطاعة ، هو حالة جبرية لا إرادة لشىء ما كان فيها.
وفى هذا يستوى من كان له إرادة أو منزوع الإرادة،
من كان ظلوماً جهولاً وقبل حمل الأمانة ومن جاء طوعاً يفعل ما يُؤمر به أن يفعله.
الشمس والقمر فى حركة دائبين، لا الشمس سابقة للقمر ولا القمر يسبق الشمس ، كلاهما يسير فى فلكه أو مساره ولا يحيد عنه ، هى مبرمجة لذلك ولكنها تدرك ما تفعله، ولا يمكنها أن تعصى هذا الأمر، لا توجد فى تركيبها إمكانية أن ترفض ...
يا ءادم لا تقرب هذه الشجرة ..
ءادم يملك إمكانية تنفيذ الأمر أو تركه ، هذا كان إختياره، أيهما العاقل ءادم أم الشمس والقمر؟
أنت تعلم ورأيت مملكة النمل أو النحل وهى تعيش وتعمل فى نظام صارم لا خلل ولا كلل فيه ولا تفكر هذه الكائنات أن تترك ذلك،
النحل لا يستطيع أن يمنع نفسه عن إنتاج العسل ، تأمل هذه المملكة وتأمل سكناتها وحركاتها وإسأل نفسك إن كان هؤلاء عقلاء أم بنو العرب على سبيل المثال من عالم الإنس ..
السؤال إلى السماء والأرض فى أية 11 فصلت :" إئتيا طوعاً أو كرهاً" ، هذا السؤال بصيغته تلك التى عبر عنها القرءان لم تكن هى كذلك، لأن السماء والأرض لا تتحدثا العربية ،
ما قصه القرءان هو ترجمة للسؤال بلسان الرسول عليه السلام ، نعم كان هناك حوار بسؤال وجواب ولن نستطيع أن ندرك أبعاده إلا بلسان القرءان العربى المبين.
يجب علينا أن نفرق بين علاقة الإنسان وما حوله وبين علاقة الخالق والمخلوق،
الإنسان خالق السيارة وهو يعلم كل صغيرة وكبيرة فيها وفوق كل ذلك يعلم كيف أن يتواصل مع سيارته، هو الذى يسقيها إن عطشت وهو الذى يشفيها إن مرضت ، بل ويعلم مسبقاً وعلمه هذا فى كتاب ( كتاب صنع السيارة) ، فى هذا الكتاب تم سطر سنن السيارة ، وهذه السيارة لا تستطيع أن تغير وتبدل فى هذه السنن ، على سبيل المثال من سنن السيارة أنك تغير زيتها بعد ستة أشهر أو بعد أن تقطع مائة كيلو ومن يملكون سيارة يعلمون الكثير من هذه السنن.
سنن الخالق أحسن الخالقين رب العالمين هى لا تتبدل ولا تتغير كذلك ، لأن أحسن الخالقين جعل هناك كتاب لم يفرط فيه من شىء وهو كتاب الخلق وسنن الخلق ، أنت تعلم أنه من سننك أنك ميت لا محالة، لك أجلٌ معلوم ، مدة صلاحية مثلك مثل السيارىة التى صنعتها.
ورب العالمين خالق السماء والأرض وما فيهن قادر على أن يتواصل مع ما خلقه وهذه المخلوقات مبرمجة على التواصل كذلك معه سبحانه وتعالى وهى لا تعصى له أمراً ، مثل سيارتك إن أردت أن تسير سارت أو تتوقف توقفت.
نحن لا نفقه كيفية إستجابة هذه المخلوقات لخالقها لأننا لم نخلقها ولا علم لنا بكيفية خلقها أو برمجتها كما قلنا.
البقرة التى هى يهيمة ولا تفقه شيئاً تتواصل مع البقر أمثالها ونحن لا ندرك ذلك ، هى لا تعقل لأنها مسلوبة الإدارة ، تعيش وتحيا ببرنامج لا يتغير ولا تملك تغيره.
فعندما يخاطب رب العالمين السماء أن تقلع لا يصح أن نقول أنها صورة بلاغية جميلة تحمل فى طياتها مجازاً أو إستعارة لأن ذلك يجوز فقط عندما يخاطب بنى ءادم السماء ويشتكى إليها على سبيل المثال أو يخاطب الشاعر العباسى إبن الأحنف الطير شاكياً له بعد حبيبه طالباً منه العون:
بكيتُ على سرب القطا إذ مررن بي = فقلتُ ومثلي بالبكاءِ جديرُ
أسرب القطا هل من يعيرُ جناحهُ ؟ = لعلي إلى من قد هويتُ أطيرُ
تأمل هنا أيات فصلت وتجد فرقاً فى كيفية التواصل، هنا التواصل كان على غرار التواصل مع بنى ءادم ، وهو النطق ، والعلة لأن الجلود والأرجل هنا شاهدة وعلى من تشهد عليه أن يسمع كذلك شهادتها وإلا لما كان حكماً بالقسط :
{ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) } (سورة فصلت 20 - 21)
هنا جعل الخالق الجلود تنطق بلسان الإنسان نفسه ليسمع بأذنيه الشهادة.
الخلاصة : تصنيفنا للمخلوقات إلى عاقلة وغير عاقلة هو تصنيف قاصر وفقاً لمداركنا نحن ، وسأطرح عليك شيئاً أخر قبل أن نختم ، الكلاب والصقور على سبيل المثال، هل هى عاقلة فى تصنيف الإنسان؟ هى ليست كذلك،
ولكن هذا الإنسان يقوم بدور المعلم لهذه الابة أو هذا الطير وهؤلاء يتعلمون ويتقنون ما يتعلمونه فيستعملها الإنسان فى الصيد ، كان صيدً للحوم أو اللؤلؤ، فكيف عقلت هذه الدواب ذلك؟
هى لم تعقل ولا يمكنه أن تعقل لأنها مسلوبة الإرادة ، هى تحمل فى داخلها برنامج وما قام به الإنسان هو تنشيط هذا البرنامج، لا أكثر من ذلك.
وهى على ذلك تطيعه وتسمع كلامه وتتواصل معه ، وضع خطوط تحت تواصلها معه ذلك ،
فتأمل الفرق بين التواصل وبين ان تعقل ..
تدبر التشبيه فى الأية:
{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) } (سورة الفرقان 44)
هنا يشبه القرءان هؤلاء من لا يعقلون بالأنعام، ويزيدهم ضلالا عن الأنعام ، لأن الأنعام ليس لها أن تتلقى أوامر ونواهى فتفكر فى أن تقبلها أو ترفضها ، هى مسخرة على الطاعة ،
وتعجب إن علمت أنها مسخرة لطاعة هذا الإنسان ... قتل الإنسان ما أكفره
ما يقولونه فى الشعر وقول القرءان ليس بشعر ولا قول كاهن، ما يقولونه فى شعرهم لا يجوز ويصح ان يقولونه فى كلام الخالق رب العالمين