إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ

عندما نقرأ الأيات:

فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) المدثر

نقف كثيراً عند كلمة " قسورة"
كما فعلت التفاسير وعرضت أفهام مختلفة لها ، فمنهم من قال أنها الرماة أو قسورة النبل أو الأسد وقد عرفها الناس على أنها الأسد زاعمين أنها " حبشية" ، على الرغم من أن " عكرمة" أنكر كونها حبشية وقال أن الأسد عند الحبشة هو " عنبسة". وهناك قول لإبن عباس أنها " ركز الرجال" وهو الحس والصوت الخافت أو الصوت المنكر فى رواية أخرى عنه.


التشبيه فى الأية لقوم الرسول ويرسم لهم صورة من البيئة عايشوها وخبروها. وإلا كان التشبيه غير مفهوم لهم ولا طائل منه.

ولكن المفسرون اَغفلوا كما فعلنا نحن كلمة " حُمُر" ظناً منهم أنها " الحمير التى نركبها" ،

الحمير جمع الحمار جاءت فى أية أخرى:

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [النحل : 8]

ولا يوجد مبرر لإستخدام جمعين مختلفين لذات الكلمة إلا إذا إختلف المعنى ، كما فى " أعين وعيون" ، حيث الأعين هى للعين التى نرى بها والعيون هى عيون الماء ، وكلا الجمعين هو لذات المفردة " العين".

فما هى " الحُمُر" ؟

هى عصافير صغيرة الحجم ويصطادها البعض للزينة أو الأكل. وهذا ليس إختراع منى ،

لسان العرب:

"والحُمَّرَةُ والحُمَرَةُ طائر من العصافير
 


وفي الصحاح
الحُمَّرة ضرب من الطير كالعصافير، وجمعها الحُمَرُ والحُمَّرُ، 

 قال أَبو المهوش الأَسدي يهجو تميماً: قَدْ

كُنْتُ أَحْسِبُكُمْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، فإِذا لَصَافٍ

تَبِيضُ فيه الحُمَّرُ
  يقول: قد كنت أَحسبكم شجعاناً فإِذا أَنتم جبناء" إنتهى

وهذا الطائر يعرف بطائر الحمراء فى العراق والشام وربما يكون القمرى فى مصر.

الذى ينفى كذلك أنها الحمير هو قوله " فرت" والحمير بطيئة ولا تفر كما قال الأخ العزيز غالب غنيم.

يتبقى فهم " القسورة" ،

الأسد خارج السياق والسباق لأنه لا يطارد العصافير وقد صدق عكرمة فى تكذيبه أنها حبشية اللهجة.

يتبقى ما قاله قتادة من أنها قسورة النبلة ولم يذكر المعجم ماذا يعنى بذلك ، وما قاله إبن عباس أنها الصوت والحس الخافت وفى قول أخر أنه الصوت المنكر.

والمعنى يجمع بين الإثنين مع تعديل بسيط ،

الجزء الذى نشده من النبلة عند الصيد يحدث صوتاً وهذا الجزء نفسه فى طريقة شده يدل على حركات الحروف فى " قسورة" ،
قسورة: القاف والسين والواو تدل على حبس شيئا فى مكان ، ويرجع بالراء إلى وضعه الأصلى وينتهى الحدث بالهاء المربوطة.
السين حرف تنفيس وحركته من الداخل إلى الخارج، والقاف تحبسها فى الداخل، والراء رجوعها إلى الخارج.

الجذب بالقاف فيه قوة وشدة والإرخاء بالراء فيه شدة رد فعل تتناسب مع قوة القاف وسرعة كذلك،


بهذا تكون العصافير تفر من صوت القسورة الناتج عن جذبها وإرسالها.

وبالرجوع إلى السياق العام نجد أن التشبيه لإعراضهم عن التذكرة والتذكرة تكون

بسماع القرءان وهو " صوت" ،

ولهذا يناسبه التشبيه بصوت أخر وتشبيههم بهذه الطيور التى تفر من صوت النبلة.


الجمعة، 25 أكتوبر 2013

المدينة فى القرءان

المدينة والمدائن:

المدينة من الجذر " دين ، يدين" ،
دين (الصّحّاح في اللغة)
أبو عبيد: الدَيْنُ: واحد الديونِ. تقول: دِنْتُ الرجل أقرضته، فهو مدينٌ ومَدْيونٌ.


دين (مقاييس اللغة)

الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها.
وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان لـه يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ.
وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون. قال الشاعر:والمَدِينة كأنّها مَفْعلة، سمّيت بذلك لأنّها تقام فيها طاعةُ ذَوِي الأمر.
والمدينة الأَمَة.
والعَبْدُ مَدِينٌ، كأنّهما أذلّهما العمل
." إنتهى

هذا الإقتباس من المعاجم لا نحتاجه ولكنه ليطمئن قلبك وفقط.

نقول أن يدين فهو مَدين وهى " مَدِينة" ،

المدينة هى التى تنقاد وتطيع غيرها وقد جعلها المعجم من معانى " الأمة" وفقاً لما يفهمه من معنى الأمة.

فهذه المدينة هى ما نسميه اليوم " الريف" الذى يتبع العاصمة فهو ينقاد لها وطائع لسلطتها.

دَين: حركة الدال هنا متغيرة الإتجاه بالياء والنون التى تدل على نهاية الحركة وظهورها هى نتيجة هذا التغير، هذا التغير متعلق بمؤثر خارجى فلا تتحرك الدال إلآ بتوجيهه وأوامره.

وجمع المَدينة هو " المَدائن" .

كلمة " المَدنية" من الجذر " مَدَن" ، وهنا تجد إختفاء الياء ، المَدن هو كما  فى كلمة " المَد" هو تطور الميم أو إمتددادها وهذا التطور يظهر ويكتمل مباشرة بالنون دون حاجة إلى توجيه الياء.

وجمع هذا المكان المتَطٍور أو الممتد هو " مُدُن" ومفرده هو " مَدَنة" وليس مدينة.
إنظر إلى ما قاله فرعون:
إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا" الأعراف 123
هو يقصد المدينة أو الريف حيث يقيم موسى وبنى إسرائيل.
وعندما أمر فرعون بجمع السحرة ( فرعون يقيم فى العاصمة) كان الجمع من " المدائن" أو الأرياف المحيطة بالعاصمة:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الشعراء : 53]
إمرأة العزيز عندا راودت فتاها عن نفسه تَنَدر عليها نسوة فى المدينة:

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [يوسف : 30]

النسوة ليس جمع قَلة كما قال لسان العرب ولكنه جمع تقليل وتحقير من شأنهن وذلك لأنهن من سكان الريف. كونهن سمعن بقصة إمرأة العزيز مع يوسف يدل على أن " مِصر" المذكورة فى القرءان أشبه بمحافظة صغيرة أو أصغر من ذلك لها عاصمة ومن حولها مجموعة من الأرياف أو الضواحى الريفية. وسنأتى إلى " مصر" فى موضعه إن شاء الله.